الجمعة, 1 نوفمبر, 2024

مفاتيح قراءة خريطة الإمارات الاستراتيجية

جاء إعلان الإمارات عن مبادئ الخمسين كميثاق تأسيس جديد للخمسين عاماً المقبلة، وحمل في طياته أسسا لخارطة توجهات الإمارات المستقبلية، وقد أثار ذلك لغطا بين عدد من مراقبي الإمارات، حيث اعتبروا ذلك بمثابة استدارة 360 درجة لاسيما توجهها لخفض الصراعات مع تركيا وإيران وقطر ، وإن فهم تلك التحركات يتطلب فهما لمفاتيح خريطة الإمارات الاستراتيجية.


أول مفتاح لفهم خريطة الإمارات الاستراتيجية هو مفهوم النظام العالمي المتشابك، الذي لا يرى العالم على أنه مبني على أقطاب مكونة من مراكز قوى تدور حولها الدول في أفلاك، ولكنه نظام ترتبط فيه دول العالم ببعضها البعض كشبكة تستفيد من إحداها الأخرى. ويترجم ذلك الاستناد إلى المبادئ التالية في التعامل الدولي:

الاستناد على علاقات دولية لا تقبل القطبية الأيديولوجية التي ميزت حقبة الحرب الباردة وتستبدلها بالتعاون الاقتصادي والتقني المعتمد على المصالح الوطنية والإقليمية. ويتضح ذلك جليا في إصرار الإمارات على الاحتفاظ بعلاقاتها الأساسية.

• كما أنه لا يؤمن بالمعادلة الصفرية في العلاقات الدولية حيث إن اقتراب من حليف ما تمثل ابتعادا عن حليف آخر وهي نفس المعادلة التي حكمت علاقات الإمارات بالهند وباكستان كما حكمت علاقاتها بإسرائيل والسلطة الفلسطينية وحتى علاقاتها بالصين وروسيا من ناحية والولايات المتحدة.

• ذلك يؤدي إلى أن النظام العالمي الشبكي يعتمد على التكامل بدلا من التنافس وهو ما يتضح على المستوى الإقليمي في العلاقات بين الإمارات والسعودية أو الدولية كما هو في العلاقات مؤخرا بين الإمارات وتركيا.

النظام العالمي الشبكي يعتمد على التكامل بدلا من التنافس وهو ما يتضح على المستوى الإقليمي

 

المفتاح الثاني لفهم التوجهات في الإمارات فهي ما يمكن وصفه بأنه «اجندة الترابط العالمية» التي تتبعها الإمارات والتي تعتمد على مد شرايين ترابط بين العالم. وتعتمد تلك الأجندة على فهم الإمارات أن الحيز الاستراتيجي الذي تعمل من خلاله هو الجزيرة العربية التي تحدها 4 بحار مهمة، وهي الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، وبالتالي فإن هذه البحار هي وسيلة ارتباطها بالعالم شمالا، وجنوبا، وشرقا، وغربا. وتكاد تكون شركات كموانئ دبي العالمية وشركات طيران مثل الإمارات والاتحاد من أهم وسائل مد خطوط الترابط العالمية للإمارات، وشرايين الترابط الدولية تعتمد على حرية حركة البضائع (بما في ذلك الطاقة) والأموال والبشر والمعلومات، وتستفيد الإمارات من تطوير تلك الشبكة في تسهيل وتسريع المرور في تلك الشرايين الأربع اقتصاديا وسياسيا وأمنيا.

تمكين قدرات الترابط بين الدول يتطلب الاستثمار في منع الصراعات وأبرزها صراعات الهوية، وهو سبب دعم الإمارات لأجندة التسامح وطنيا ودوليا نظرا لأن ذلك يسهل عملية الترابط بين الدول. كما أن استثمار الإمارات ترسيخ لمبدأ الاستقرار كأساس في سياستها الخارجية هو جزء من السماح بعملية التبادل التجاري والإنساني والاغاثي وتوفير القدرة على التعاون بين الدول. كما أن أحد أهم ممكنات الترابط هو التركيز على قدرات الحوكمة وليس النظام السياسي حيث يتم التركيز على استعادة قدرات الدولة على تطوير العلاقات البينية عبر المؤسسات وهو ما يتضح في الطريقة التي تتعامل فيها الإمارات مع دول مثل سوريا.

كان معرض إكسبو هو التمثيل الأوضح لأجندة الترابط العالمية التي تقودها الإمارات بدءا من مفهوم تواصل العقول وحتى تحول مقر إكسبو إلى ممر عالمي لجميع دول العالم

ربما كان معرض إكسبو هو التمثيل الأوضح لأجندة الترابط العالمية التي تقودها الإمارات بدءا من مفهوم تواصل العقول وحتى تحول مقر إكسبو إلى ممر عالمي لجميع دول العالم والتواجد السلمي لممثلي الدول من إسرائيل وحتى إيران وروسيا حتى أوكرانيا ومن الصين حتى الولايات المتحدة.

أما المفتاح الثالث فهو التفرقة بين مؤسسات الدولة ومنظمات اللادولة والتي تعمل عبر الدول وفوق أجنداتها وهو أساس موقف الإمارات من مجموعات لا دولة عابرة للدول مثل الإخوان المسلمين والحوثيين وهو يفسر دعم الإمارات للسلطة الشرعية في اليمن مقابل التحرك الحوثي، ودعم الحكومة السودانية السابقة رغم أنها من الإخوان.

إن تطبيق تلك المفاتيح على خريطة التعامل الإماراتي الدولي قد توفر فرصة أفضل لفهم المواقف الإماراتية التي يراها البعض متناقضة، ولكنها فعليا مبنية على أسس مبدئية واستراتيجية وليست تحركات تكتيكية.

 

"نشرت المقالة في صحيفة الرؤية" 

24 فبراير 2022

محمد عبد الرحمن باهرون

محمد عبد الرحمن باهرون

المدير العام

المزيد

مجالات الخبرة

  • جيو-استراتيجية
  • السمعة والقوة الناعمة
  • السياسة العامة والعلاقات الدولية

التعليم

  • حاصل على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة تكساس التقنية عام 1995.
  • تخصص اللغة الإنجليزية من جامعة الكويت عام 1987

السيرة الشخصية

 يعمل حاليا مديرا لمركز دبي لبحوث السياسات العامة (بحوث) وقد شارك في تأسيس مركز "بحوث" في عام 2002 في دبي، وهو مركز بحثي يركز على السياسات العامة والشؤون الجيوستراتيجية والعالمية ودراسات الرأي العام.

عمل نائبا للمدير في برنامج وطني المجتمعي لتعزيز الهوية الوطنية وممارسات المواطنة الصالحة منذ تأسيسه في 2005.

شارك كعضو مؤسس في مجلس إدارة "معهد بوصلة" في بروكسل الذي يهتم بالعلاقات الخليجية الأوروبية.

عمل كمحرر لمجلة العربي ومحررا في صحيفة الاتحاد، وسكرتير تحرير مجلة الدفاع الخليجي وعمل في شؤون الاتصال الاستراتيجي في المؤسسة العامة للمعارض في أبوظبي.

 مهتم بالربط بين السياسات العامة وبين التطورات السياسية الدولية والإقليمية والتأثير المتبادل بينهما.