الخميس, 31 أكتوبر, 2024

الاتفاق الإبراهيمي والدور الأمريكي المفقود

بعد سنة من توقيع كل من الإمارات والبحرين وإسرائيل والولايات المتحدة الاتفاق الإبراهيمي في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، فإن الاتفاق الابراهيمي لا يزال يترسخ وينمو، حيث انضمت السودان والمغرب في توقيع اتفاقيات مشابهة مع إسرائيل.


بعد سنة من توقيع كل من الإمارات والبحرين وإسرائيل والولايات المتحدة الاتفاق الإبراهيمي في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، فإن الاتفاق الابراهيمي لا يزال يترسخ وينمو، حيث انضمت السودان والمغرب في توقيع اتفاقيات مشابهة مع إسرائيل.

لقد أثبت الاتفاق الإبراهيمي قدرته على تطوير العلاقات والبدء في ترسيخ نهج التعاون، ولكن ذلك النجاح ظهر على مستوى العلاقات الثنائية أكثر مما ظهر على المستوى الإقليمي وهي الغاية المنشودة من الاتفاق الإبراهيمي.

إن صيغة الاتفاقات التي تم توقيعها في واشنطن كانت ثنائية، بين إسرائيل والإمارات العربية، وبين إسرائيل ومملكة البحرين مع توقيع الولايات المتحدة كشاهد على الاتفاق. غير أن اسم الاتفاقيات وطبيعة التوقيع المشترك وتركيز تلك الاتفاقيات على انعكاساتها على المنطقة والشرق الأوسط ككل يجعلها تتجاوز إطار الاتفاق الثنائي بين دولتين بخلاف الاتفاقيات التي وقعتها إسرائيل مع مصر ومع الأردن لاحقا، حيث إن البند الرابع من الاتفاق الإبراهيمي يشير إلى أنه "كجزء أساسي من التزامهما بالسلم والرخاء والعلاقات الدبلوماسية والودية، والتعاون والتطبيع الكامل، فإن الأطراف الموقعة ستعمل لدفع علمية السلام والاستقرار والرخاء في كامل أنحاء الشرق الأوسط". لذا فإن الاتفاق لم يكن حول السلام والاستقرار بين الأطراف الموقعة فقط.

إن مبادئ مثل التسامح التي يشير إليها البند السادس من الاتفاق الابراهيمي تمثل وسيلة لكسر حلقة الكراهية التي حكمت العلاقات بين إسرائيل والدول العربية والإسلامية ككل وليس فقط الدول الموقعة على الاتفاق. فقد كانت تلك الكراهية هي من حولت الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى صراع عربي- صهيوني ومن ثم إلى صراع بين المسلمين واليهود ككل سواء كانوا إسرائيليين أم لا. إن زرع مبادئ وقيم التعايش والتسامح في إسرائيل والعالم العربي ستساهم في تقليل فرص التطرف والإرهاب الذي شهدته المنطقة من جميع الأطراف على أساس تلك الكراهية.

لقد أدى الاتفاق الإبراهيمي إلى تنامي العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية وحتى التبادل الثقافي والشعبي بين إسرائيل والإمارات، حيث تم افتتاح البعثات الدبلوماسية في كلا الدولتين وتم توقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية وافتتاح خطوط الطيران المباشرة، وحتى تبادل الوفود الشبابية. وقد شهدت العلاقات بين الرباط والمنامة والخرطوم نشاطات مشابهة وإن كانت ليست بنفس الزخم. وتعتبر جميع تلك التحركات مهمة في ترسيخ العلاقات الثنائية، ولكنها لم تصل حتى الآن إلى سطح الطموح الإقليمي للاتفاق كآلية تعاون إقليمية لحل الصراعات.

لا شك في أن عام واحد فقط هي فترة زمنية بالغة الصغر للتعامل مع صراع تراكمت آثاره على مدى ما يربو على 70 عاما، وهو ما يحتم التركيز على تقوية العلاقات الثنائية أولا.

غير أن المخاوف بأن الأهداف الإقليمية للاتفاق الإبراهيمي بدأت تتضاءل أمام أهدافه الثنائية مردها أنها فقدت الداعم الأساسي لتلك الأهداف: واشنطن. هذا على الرغم من أن الرئيس بايدن، أثناء حملته الانتخابية، أبدى دعما واسعا للاتفاق الإبراهيمي عند الإعلان عنه. غير أن الإدارة الأمريكية تتجنب حاليا حتى استخدام مصطلح "الاتفاق الإبراهيمي". ومن الواضح أن إدارة بايدن مصرة على دعم استعادة مفاوضات الوضع النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهو هدف دعمه قادة الدول العربية الموقعة على الاتفاق الإبراهيمي. فقد كرر سمو الشيخ عبد الله بن زايد وزير خارجية الإمارات مرارا "موقفا عربيا داعيا لتأسيس دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية".

ولكن من الواضح أن واشنطن لا ترى أن الاتفاق الإبراهيمي يعد أحد مقومات السلام في المنطقة كما رآه الرئيس ترامب.

على الكفة الأخرى فإن حل الدولتين، الذي تدعمه كل من الإمارات والولايات المتحدة، قد يكون الموضوع الوحيد الذي لا تود الحكومة الإسرائيلية الحالية نقاشه. فرئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت كان من بين أوائل من أعلن عن "موت حل الدولتين" ويرى أن حل "الدولة ونصف" هو الأقرب؛ بدولة فلسطينية لا جيش لها ولا سلطة لها على حدودها. وفي حين أن ذلك قد لا يكون رأي كل أعضاء الحكومة الإسرائيلية المكونة من تحالف تيارات عدة، ولا يمثل ربما تفكير كل أطياف الشعب الإسرائيلي، غير أن رؤية الأطراف العربية الشريكة في الاتفاق الإبراهيمي لا يجب أن يتم تجاهلها.

إن اختلاف وجهات النظر تجاه الاتفاق الابراهيمي بين الموقعين عليه يذكرنا بقصة العميان الذين يحاولون وصف الفيل؛ فالحكومة الإسرائيلية ترى أن هدف الاتفاق هو تقوية العلاقات الثنائية، بينما ترى الولايات المتحدة أنه يجب أن يكون هدفه هو التوصل للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أولا، أما الإمارات فترى فيه مقاربة إقليمية لتحقيق الاستقرار والتعايش السلمي. غير أن الفيل فعليا هو كل تلك الرؤى مجتمعة، وليست أحداها فقط.

إن لدى الولايات المتحدة فرصة لتأخذ دورا قياديا يخدم أهدافها في دعم التوصل لسلام مستدام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وذلك عبر الاستفادة من الديناميكية الجديدة التي خلقها الاتفاق الإبراهيمي.

إن الولايات المتحدة تستطيع أن تستخدم سعي إسرائيل لخلق تكامل اقتصادي بينها وبين دول المنطقة، وأن تستخدم حماس الإمارات لترسيخ التسامح كأحد وسائل منع الاستقطاب الديني الذي يخلق التطرف وذلك لتوليد دفعة قوية لدعم السلام.

إن بإمكان الرئيس بايدن أن يبدأ بتعيين مبعوث خاص للاتفاق الإبراهيمي، ويستغل هذه الذكرى السنوية كمناسبة لعقد اجتماع سنوي لجميع الدول المشاركة في الاتفاق بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية، لتطوير خطط تدعم أجندة السلام في المنطقة بأسرها قادرة على خلق العلاقات الاقتصادية، وتقليل فرص الاستقطاب بناء على الكراهية التي خلقت مليشيات الموت والإرهاب في المنطقة، وتحقيق اختراق تاريخي في أحدي أسوأ الأزمات السياسية على مستوى المنطقة والعالم بأسره.

محمد عبد الرحمن باهرون

محمد عبد الرحمن باهرون

المدير العام

المزيد

مجالات الخبرة

  • جيو-استراتيجية
  • السمعة والقوة الناعمة
  • السياسة العامة والعلاقات الدولية

التعليم

  • حاصل على درجة الماجستير في الأدب الإنجليزي من جامعة تكساس التقنية عام 1995.
  • تخصص اللغة الإنجليزية من جامعة الكويت عام 1987

السيرة الشخصية

 يعمل حاليا مديرا لمركز دبي لبحوث السياسات العامة (بحوث) وقد شارك في تأسيس مركز "بحوث" في عام 2002 في دبي، وهو مركز بحثي يركز على السياسات العامة والشؤون الجيوستراتيجية والعالمية ودراسات الرأي العام.

عمل نائبا للمدير في برنامج وطني المجتمعي لتعزيز الهوية الوطنية وممارسات المواطنة الصالحة منذ تأسيسه في 2005.

شارك كعضو مؤسس في مجلس إدارة "معهد بوصلة" في بروكسل الذي يهتم بالعلاقات الخليجية الأوروبية.

عمل كمحرر لمجلة العربي ومحررا في صحيفة الاتحاد، وسكرتير تحرير مجلة الدفاع الخليجي وعمل في شؤون الاتصال الاستراتيجي في المؤسسة العامة للمعارض في أبوظبي.

 مهتم بالربط بين السياسات العامة وبين التطورات السياسية الدولية والإقليمية والتأثير المتبادل بينهما.