لم تختم قمة جدة للأمن والتنمية بأي إعلان ضخم يغير من وجه المنطقة. فلم يكن هناك اتفاقية ضخمة على مستوى انتاج النفط أو تغير جوهري في موقف دول الخليج من الصين وروسيا ولم يكن هناك اعلان عن تأسيس "ناتو عربي".
كما أن القمة لم تعط دفعة ضخمة للعلاقات السعودية الإسرائيلية حيث إن فتح الأجواء السعودية للطائرات التجارية الإسرائيلية كان مجرد توسعة للاتفاق السابق للسماح بالطائرات الإسرائيلية المتجهة للإمارات والبحرين من المرور في المجال الجوي السعودي. كما أن إعلان الولايات المتحدة عن انتهاء مهمة حفظ السلام الدولية في جزيرتي تيران وصنافير مهما لتأكيد توجه الولايات المتحدة لحسب القوات الأمريكية من المنطقة، رغم أن تلك القوات الأمريكية البسيطة في قوات سلام دولية لم تكن منخرطة في صراع فعلي.
وقد كان الالتزام السعودي برفع طاقة انتاجها النفطي إلى 13 مليون برميل باليوم رسالة مهمة لفريق بايدن ولكنها كانت أيضا مؤشرا على "الحد الأقصى" للقدرات السعودية، ما يحد من تأثير ذلك الإنجاز.
وربما كان تأسيس القوة 153 المشتركة للأمن في البحر الأحمر بالمشاركة مع القوات السعودية أحد أبرز أوجه التعاون الأمني ولكن ذلك أيضا يمثل استمرار للنهج الأمريكي في تفادي "أحذية على الأرض" نظرا لأن المهمات البحرية قد لا تمثل فعليا انتشار للجنود كما هو الحال في أفغانستان والعراق التي انحسبت منها الولايات المتحدة.
غير أن أحد أهم إنجازات القمة لم يكن في أهمية انعقادها أو حتى تجاوز التوتر الأمريكي السعودي ولكنه كان في بذر فكرة توسعة مجلس التعاون أو ما يطلق عليه GCC+ وذلك من خلال دعوة زعماء المملكة العربية الأردنية والجمهورية المصرية والجمهورية العراقية لحضور الاجتماعات الخليجية مع الولايات المتحدة.
إن حضور الزعماء العرب الثلاثة لم يكن مجرد حضور بروتكولي، بل جاء على أساس تطوير الترابط بين تلك الدول ودول مجلس التعاون في قضايا حيوية مثل الربط بالطاقة وتخفيض التوترات من خلال تمكين التوصل لتسوية بخصوص جزر تيران وصنافير وترابط تلك الدول في الجهد لمكافحة التغير المناخي ودعم مشاريع البنية التحتية وأمن سلاسل الإمداد. إن ربط تلك الدول بالمشاريع والاهتمامات الاستراتيجية الكبرى لدول الخليج وربطها بعلاقاتها مع القوى العالمية يوضح أن سعي دول الخليج لتجذير العلاقة مع الدول الثلاث.
إن التعاون بين دول الخليج والدول الثلاث ودمجهم في الإطار الاستراتيجي للتخطيط للمنطقة ومستقبلها إضافة لدمجهم في تعاون دول الخليج مع الولايات المتحدة قد يكون أبرز مؤشر على مستقبل التعاون الخليجي.
إن قمة جدة للأمن والتعاون قد تسجل في التاريخ كبذرة أول تحرك لتوسيع نطاق مجلس التعاون الخليجي وتأسيس GCC+.
قد لا يكون ذلك مجرد توسعة لمجلس التعاون ولكنه نقطة تغيير جوهرية في نظرة دول الخليج لهويتها وبعدها الجغرافي بما هو أبعد من الخليج العربي، وأن الجزيرة العربية أصبحت الحيز الجيوسياسي الذي يربطها بغرب آسيا وأفريقيا وأوروبا ومنطقة المحيط الهندي-الهادي وهو ما يشير إلى أن هناك مستقبلا لدمج دول أخرى في إطار GCC+.