إن فكرة تأسيس حلف عسكري إقليمي على غرار حلف الناتو ليست جديدة، وهي فكرة مبنية على نجاح الناتو وإلى الحاجة إلى رفع درجة التعاون العسكري في المنطقة ضد المخاطر المشتركة.
ولتحقيق ذلك فقد أعلنت جامعة الدول العربية تأسيس مجلس الدفاع المشترك في عام 1950، كما أسس مجلس التعاون الخليجي درع الجزيرة في 1984، ولكن لم يتطور أي منهما لحلف عسكري متكامل.
وقد أحيت الجامعة العربية الفكرة بشكل مصغر في 2015 بمقترح أكثر تكاملا اقترح تكوين قوة مشتركة للرد السريع وضم المقترح تحديد مقر لها وعددها والدول المشاركة والتي ضمنت مصر والمغرب والسعودية والسودان والأردن والإمارات فيها وتقسيم ميزانيتها. ولكنها أيضا لم تتطور.
عقبها بثلاثة سنوات أعادة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب طرح الفكرة بتكوين تحالف الشرق الأوسط الأمني والذي أطلق عليه اصطلاحا "ميسا". كانت الفكرة جزء من جهد لتطوير التعاون الأمني بين دول الخليج الست إضافة إلى مصر والأردن.
غير أن ذلك المقترح لم ير النور.
لماذا ناتو عربي؟
من وجهة نظر الولايات المتحدة فإن وجود منظمة أمن إقليمي في المنطقة العربية على غرار الناتو ستساهم في مكافحة مخاطر الصواريخ البالستية من إيران، لاسيما تلك الموجهة إلى إسرائيل والتي ذاقت مرارة هجوم صواريخ سكود العراقية في 1991، وهو سبب التركيز على الدفاع الجوي كأساس للتعاون العسكري. كما أن تحالفا عسكريا عربيا سيساهم في الجهد الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة للتعامل مع الإرهاب الدولي والذي تحول أثناء المواجهة مع داعش من مقاربة أمنية لمقاربة عسكرية. ولكن بشكل أساسي فإن الهدف الرئيس لحلف من ذلك النوع هو تحقيق عقيدة أوباما حول "تقاسم الأعباء" والتي تتطلب من الدول الإقليمية تحمل مسؤوليات أكبر تجاه أمنهم وهو توجه يهدف لتقليل تكلفة نشر القوات الأمريكية.
هل هذا ما تريده المنطقة؟
إن دول مجلس التعاون الخليجي حريصة على استعادة الميزة الأساسية في علاقتها مع الولايات المتحدة في منظومة علاقاته الدولية، ألا وهي الضمانات الأمنية. غير أن الولايات المتحدة منذ أوباما بدأت في تقليص دعمها الأمنية للدول التي وصمها أوباما بأنها "تركب مجانا"، وهو تناقص تم بوتيرة مقلقة. وربما كان سحب الولايات المتحدة لصواريخ باتريوت من السعودية في الوقت الذي كانت فيه تتعرض لهجمات من الحوثيين أكبر ضربة تعرضت لها فكرة الضمانات الأمنية الأمريكية. وعليه فإن حديث الإدارة التي دفعت ثمنا سياسا كبيرا مقابل الانسحاب من أفغانستان والعراق عن ضمانات أمنية للمنطقة قد لا يثير الكثير من الثقة.
إن الدور المتراجع للولايات المتحدة في تقديم الدعم الأمنية واستخدام مبيعات الأسلحة كوسيلة ضغط بدلا من دعم، بما في ذلك حظر الطائرات الأمريكية من الطيران وسحب صواريخ الدفاع الجوي تجعل فكرة الضمانات الأمريكية الثنائية، والتي يمكن نقضها بقرار تنفيذي أو عبر لجنة في الكونجرس، مثيرة للقلق، وهو ما يشير إلى أن ذلك النمط من الضمانات قد لا يكون مبتغى دول المنطقة.
فكرة الناتو+
تم تداول فكرة عرض الولايات المتحدة اتفاقا حول ضمانات أمنية لدول المنطقة مقابل تقليص أو انهاء علاقاتها مع روسيا والصين، غير أن ذلك قد لا يكون أفضل استراتيجية تتبعها الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها. وربما كان الأجدر بالولايات المتحدة وحلفائها التفكير في توسيع قاعدة عضوية الناتو إلى نمط ناتو+ وضم دول الخليج وأخرى عربية مثل مصر والأردن والمغرب إضافة إلى إسرائيل في الناتو الموسع.
ستوفر عضوية الناتو الموسعة وسيلة سريعة لتحقيق التكامل بين قوات تلك الدول في إطار منظومة متعددة الأطراف قوية بدلا من الدخول في علاقة ثنائية يسهل نقضها. كما أن وجود حماية تحت البند الخامس سيوفر أعلى درجات الضمانات التي تتطلبها تلك الدول. سيضمن ذلك أيضا أن تستمر تلك الدول في شراء المعدات العسكرية من الدول الغربية وأن تتماثل المصالح الاستراتيجية لدول الخليج مع تلك الغربية. بالنسبة للولايات المتحدة والدول الغربية فإن ذلك سيحد من درجة التقارب الأمني والاستراتيجي بين تلك الدول ومع روسيا والصين.
إن تصنيف ناتو+ قد لا يتضمن قدرة نقض القرارات في الناتو حيث التصويت بالإجماع، ولكنه لاشك سيتطلب وجود البند الخامس ليكون الالتزام الأمني العسكري موازيا للالتزام أمن الطاقة.
إن توسعة كتلك ستمثل تطويرا لمبادرة إسطنبول للتعاون التي بموجبها انضمت بعض دول الخليج للناتو كأعضاء مراقبة ولكنها في نفس الوقت ستسمح للناتو بالتواجد في مسارح عمليات أوسع من مجرد "شمال الأطلسي".
لاشك أن توسعة الناتو ستتطلب عملية طويلة ومعقدة وتواجهها العديد من العقبات البيروقراطية ولكنها إن تمت ستمنح الدول الغربية فائدة ضخمة في جمع مصالحها مع حلفائها في المنطقة. ويبقى تطوير الناتو أكثر نجاعة من استنساخه في المنطقة.