أكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة في أول خطاب شامل له، رؤيته لسياسة دولة الإمارات الداخلية والخارجية، والتي يرى المراقبون أنها تتضمن عدة رسائل إيجابية تتفق مع سياسة دولة تربعت باقتدار على الساحة الدولية كلاعب مؤثر في ديناميكيات التنمية والسلام والازدهار.
إن اعتزاز الشيخ محمد بهوية وتاريخ الإمارات وموروثها الثقافي وتأكيده على أن مصلحة المواطن، وسيادة البلاد هي فوق كل اعتبار لهي ثوابت متوقعة من قائد حصيف حريص على مصالح دولته وتماسكها.
بيد أن الخطاب فتح أيضا عدة نوافذ مضيئة للآخرين، وأكد بأن الخير سيعم الجميع، وشكر المقيمين واعترف بدورهم الفعال في التنمية. إن رسالة التقدير والامتنان التي بعث بها سموه للمقيمين؛ وفضلا عما تكشفه عن قيم الوفاء والعرفان، ستبث الطمأنينة والثقة في نفوسهم وتحفزهم بلا شك للمشاركة في هذه المرحلة الجديدة جنبا إلى جنب مع اخوتهم المواطنين.
والشاهد، أن ما حققته الإمارات حتى الآن من انجازات يشكل أرضية صلبة للبناء عليها ومساعدة الآخرين. فنجاح الدولة الاقتصادي على سبيل المثال، يقدم لقادة وشعوب الدول الأخرى وخاصة في إفريقيا نموذجا قابلا للتطبيق يمكنها أن تستفيد منه في التنمية والسلام والاستقرار.
وبالتالي، فإن من أبلغ الرسائل التي جاءت في الخطاب في نظر المعلقين؛ كانت الرغبة الصادقة في مد يد العون لكافة الدول خلال المرحلة المقبلة من خلال إقامة شراكات استراتيجية نوعية وتقديم المساعدات التنموية والإنسانية إلخ. وترى الكاتبة أن هذا الجزء من الخطاب يعد بارقة أمل لكثيرين في وقت تلبدت فيه الأجواء بالأزمات والحروب وشبح المجاعات. هذا هو الوقت المثالي للدول التي تسعى لتنمية بلادها لاغتنام الفرصة لإبرام الشراكات في مجالات كالتعليم والصحة والزراعة والصناعة والأمن الغذائي على سبيل المثال، بما يراعي مصلحة الجميع.
في واقع الأمر، لم تتوقف الإمارات يوما عن دعم الدول والأشقاء في القارة الإفريقية من خلال المساعدات، والاستثمارات والمشاركة في حل النزاعات وإبرام المعاهدات، وكمثال على ذلك، تحقيق المصالحة المستعصية بين اريتريا واثيوبيا وبين الفصائل المتناحرة في الصومال وفي إرساء لبنة الحكم المدني في السودان. إن القرن الإفريقي منطقة واعدة تتميز بالموقع الاستراتيجي، وعدد السكان الكبير الذي يتوقع أن يصل إلى 400 مليون بحلول عام 2050. لهذا وعلى عكس كثير من الدول المانحة، تعتمد الإمارات استراتيجية تنموية طويلة الأجل لدول القرن الإفريقي تقوم على مزج القوة الناعمة والتنمية الاقتصادية بالشراكات التنموية وتنسيق الجهود والاستجابات الدولية لإحلال الاستقرار. ومما ساعد الإمارات على القيام بهذا الدور، معرفتها بالبيئة الاجتماعية والقبائل، لاسيما وأن أساطيلها التجارية كانت قد جابت منذ القدم سواحل المنطقة، وساهمت في إنعاش التجارة بين الدول المطلة على المحيط الهندي من آسيا وأفريقيا، وبين أوروبا عبر طرق التجارة المعروفة. تحتاج الإمارات فقط للبناء على ما قدمته وتعزيز التواصل وخاصة التجاري للنهوض بقارة بأكملها. لقد أبدى كثير من القادة الافريقيين اهتماما بمحاكاة نموذج دبي. وفيما يلي نبذة سريعة عن الاسهامات التنموية للإمارات في بعض الدول الأفريقية:
إثيوبيا
إن نجاح إثيوبيا في التعاون والاستفادة من الإمارات ينبغي أن يكون نموذجا يحتذى للدول الافريقية الأخرى. ولقد أصبحت إثيوبيا بفضل سياستها الاستثمارية المواتية وأحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في القارة السمراء، ساعدها في ذلك ثرائها بالموارد الطبيعية، ووفرة الأيدي العاملة. إن سياسة تشجيع الاستثمار التي تتبعها الحكومة الاثيوبية تسمح بإيجار الأراضي الزراعية بأسعار تنافسية، كما تسنح بالتملك الأجنبي الكامل للشركات. ولقد وقعت الحكومة الإثيوبية مع الإمارات عدة اتفاقيات للاستثمار، واستعانت بخبرة دولة الإمارات لتطوير عدة مناطق صناعية متخصصة، وهي: ديرداوا، أواسا، كومبولتشا، وأديس أبابا.
الصومال
تعد الإمارات اليوم من أكبر المصدرين إلى الصومال وأكبر سوق للتجار الصوماليين أيضًا. وقد اختار الرئيس حسن شيخ زيارة الإمارات في أول زيارة خارجية. وقد أكد الشيخ محمد بن زايد، رئيس الدولة على دعم الشعب الصومالي عبر ثنائية الاستقرار والتنمية. وكانت الامارات قد ساعدت في مكافحة القرصنة، وتدريب خفر السواحل، كما تولت مشروع بناء السدود في المدن الصومالية، وقادت مبادرة المصالحة بين الأطراف الصومالية المختلفة التي توجت بميثاق دبي 2012 الذي يُعد الاتفاق الأول من نوعه بين الحكومة الصومالية وحكومة أرض الصومال منذ أكثر من 21 عاماً، كما تعتبر دبي المركز المصرفي للعديد من الشركات الصومالية.
جيبوتي
منح صندوق أبوظبي للتنمية جيبوتي خمسين مليون دولار لمدة خمس سنوات لتمويل المشاريع التنموية في فبراير 2015. وكانت شركة موانئ دبي العالمية قد أبرمت أول عقودها في الخارج مع جيبوتي بمشروع تطوير ميناء دوراليه في عام 2006. لقد أصبحت محطة حاويات "دوراليه" بفضل إدارة شركة "موانئ دبي العالمية" أكبر جهة توظيف وأكبر مصدر للدخل في البلاد وحققت أرباحا سنوية منذ انطلاق عملياتها، وساهمت بنحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي لجيبوتي، كما تمكنت من زيادة بضائع المنشأ والمقصد بنحو 380% خلال الأعوام الـ14 الماضية، وتمكنت أيضا من زيادة الكميات بأكثر من 70% في عام 2017، وكانت تتطلع للوصول إلى عتبة 80% في عام 2018، قبل توقف المشروع. تعتبر جيبوتي ضمن قائمة العشرين بلداً الأكثر تحسناً في مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال 2020، كما تتمتع البلاد بالاستقرار السياسي النسبي مما يجعلها أكثر جاذبية من الناحية الاستثمارية مقارنة بمنافسيها.
إريتريا
دعمت الإمارات ولادة الدولة الإريترية التي أعلنت استقلالها 1993. أيضا دعمت أبوظبي الاقتصاد الإريتري من خلال دعم ميزان المدفوعات، وسبق ذلك دعم صندوق أبوظبي للتنمية مشاريع البنية التحتية في أريتريا ومشروع التوليد والنقل الكهربائي. ويحق للمواطنين الإماراتيين حاليا دخول إريتريا بدون تأشيرة دخول مما فتح آفاقا واسعة في القطاعات السياحية والاستثمارية والتجارية في إريتريا.
السودان
تعد الإمارات الشريك التجاري الأول للسودان. بدأت مساعدة الإمارات للسودان منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، بمشروع طريق هيا بورتسودان الذي يربط ولايات السودان المختلفة بمينائها الرئيسي، ثم توالت المشاريع التي نفذتها الإمارات، فضلا عن التوسط والمساهمة في استقرار السودان وإرساء الحكومة المدنية. السودان غني بالمياه والأراضي الصالحة للزراعة (والتي تبلغ مساحتها 681,862 كيلومتر مربع، والتي تفوق مساحة أوكرانيا الزراعية التي تبلغ فقط 413,290 كيلومتر مربع، والتي كشفت الحرب الحالية مدى أهميتها للأمن الغذائي). يستطيع السودان الاستفادة من الشراكات مع الأشقاء في تحقيق حلم كثيرين بأن يصبح "سلة غذاء" العالم حقا. حاليا، يحتاج السودان للاستقرار السياسي والأمني للإنطلاق.
ويرى الخبراء أن الإمارات تستطيع، وتحت مظلة الشراكة لتطوير المجالات المختلفة ولتحقيق الأمن الغذائي والاستقرار، البناء على جهودها السابقة مع الدول الافريقية والتمهيد لمبادراتها بالدعوة لعقد مؤتمرات متواصلة بحضور كافة الأطراف الفاعلة لتبادل الآراء ودراسة سبل تذليل العقبات وفق الرؤية الجديدة وصولا إلى خطط محكمة لا تتأثر بالأوضاع السياسية وتتخطى كافة العراقيل بما يسهم في نهضة القارة.