ورغم كثافة التغطيات الاعلامية لهذه القمة، فإن صداها وتبعاتها ما تزال مستمرة حتى اليوم لدى المحللين والمراقبين الذين يسعون لفهم ما يعتبره الكثيرون تحولاً من قبل رئيس وصل الى قيادة الولايات المتحدة بخطاب شعبوي معادٍ للعولمة والمهاجرين والمسلمين. أبرز ما يمكن رصده في ثنايا هذه القمة وما سبقها وما تلاها من وجهة نظري يمكن قراءته على النحو التالي:
المشهد قبل الحدث الرئيسي: بدأ اليوم الثاني من الزيارة الدولية الأولى للرئيس الامريكي دونالد ترامب، بعقد اجتماعات ثنائية مع عدد من الدول العربية بما فيها مصر والبحرين. قبل خطابه المتوقع، ركزت غالبية وسائل الإعلام في الولايات المتحدة على تحديد القضايا التي من المحتمل أن يناقشها بناء على مسودة خطابه. وقد رأى الخبراء أن الموضوعين اللذين من المرجح أن يشكلا الطابع الرئيسي للخطاب الأخير هما: الإرهاب والتطرف الإسلاموي وتوحيد الحرب ضد الشر. وقد ثبت أن كلاهما صحيح.
ومن المثير للاهتمام ملاحظة الحرص الشديد للمعلقين الخبراء على شبكات الأخبار الأمريكية على تسليط الضوء، حسب ما يرون، على دور الولايات المتحدة في قضية ضمان حقوق الإنسان، وغيرها من الشؤون المتعلقة بالمساواة والحوكمة، التي تمت مناقشتها معتبرين أن على ترامب أن يمارس "الضغط" بشأنها. وهناك تعليق آخر مثير للاهتمام، عن دور الولايات المتحدة في تعزيز جهود السعودية لوضع نفسها كقائم على أمر العالم الإسلامي، باختيار الرياض لتكون الوجهة لمناقشة القضايا المتعلقة بأيديولوجية التطرف، كما أضاف الخبراء المعلقين أن غالبية المسلمين في العالم يعيشون خارج المملكة العربية السعودية.
إلا أنه من غير المرجح أن تكتسب هذه الحجة مصداقية، بسبب التصور الدولي السائد للمملكة العربية السعودية على أنها الوصي على الإسلام بشكل عام. ومن الملاحظ أيضاً، التغطية الواسعة النطاق للصراع الشيعي- السني، المصحوبة بالتنويه إلى استبعاد إيران من القمة. لم ينسى المتشككون في الولايات المتحدة، ما وصفوه "بالنفاق" من قبل ترامب، الذي تمثل في قرار الرئيس ترامب بزيارة العالم الإسلامي كوجهة أولى له، آخذين بعين الاعتبار الصراع المحلي في الولايات المتحدة بشأن الأمر التنفيذي رقم 13769 (المشار إليه في بعض الأحيان باسم "الحظر الإسلامي")، إضافة إلى تصريحات ترامب العدوانية خلال حملته تجاه الإسلام.
ومن الأهمية بمكان، ختام القمة بالاتفاق على عقدها سنوياً، وبمشاركة ترامب بطبيعة الحال.
محاولة خلق تقارب في القيم لبناء توافق في الآراء حول الأهداف المشتركة والتحديات: من خلال التصدي للإرهاب، هدف ترامب إلى توفير معيار لأولوية عالمية لحشد جهود الولايات المتحدة والعالم الإسلامي نحو هدف مشترك. وفي الوقت نفسه، يحافظ بذلك على خطاب حملته الانتخابية في الولايات المتحدة، الذي ركز فيه على "القضاء على الإرهاب"، من خلال اختياره كأول مسألة يسعى لمعالجتها مع نظرائه الدوليين. جوهرياً، لم ينحرف ترامب عن إطار سياسته الخارجية (بنفس غموضها كما كانت في أثناء حملته الانتخابية). وإن وضع الحرب ضد الإرهاب في موضع الحرب بين الخير والشر، يمكن النظر إليه على أنه محاولة لخلق تقارب في القيم. لقد حظي البيان بأوسع تغطية إعلامية، كما أدى إلى خفض شدة المسألة إلى مستوى القيم الأساسية، مما يؤدي إلى بناء تصور لإطار مشترك لقيم عالمية، ويسهل التوصل إلى توافق وتعاضد حول الأولويات. ومن المثير للاهتمام أيضاً، أن الخطاب لم يشير إلى استهداف جماعة إرهابية بعينها؛ وذلك في الغالب للتأكيد على المنهج الشمولي لمحاربة أيدولوجية الإرهاب في مقابل مظهره (المتمثل في شكل جماعات إرهابية).
تحديد إيران كقوة مزعزعة للاستقرار وداعمة للإرهاب في المنطقة: يعالج هذا التحديد مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي التي أعقبت الاتفاق النووي (مع ملاحظة عدم وجود إشارة محددة للاتفاق). وقد تم تعريف إيران بواسطة ترامب على أنها محرك للطائفية والنشاط الإرهابي في المنطقة، وفي سوريا وحزب الله أفضل مثال على ذلك. وبذلك، نجح في الاعتراف بالتهديد المدرك من قبل إيران والأولوية الأمنية لمنطقة مجلس التعاون الخليجي. واقترح ترامب أن يتم اتخاذ استراتيجية عزل تجاه إيران كرد فعل إقليمي، ويتم منعها من تمويل الإرهاب. وإن كان في هذا دلالة على نهج أمريكي محتمل تجاه إيران من حيث الاتفاق النووي والعقوبات، فإنه لا يزال غامضاً جداً ولا يمكن تحديده في هذه المرحلة. وعلى الرغم من ذلك، يميز ترامب بين النظام السياسي الإيراني والمواطنين الإيرانيين، ويمكن أن يفسر ذلك على أنه موقف براغماتي في خطابه تجاه إيران، مع إبقائه على رسالة التسامح في خطابه بالقمة.
لم يتم تحديد أي استراتيجية أمريكية جديدة تجاه دول مجلس التعاون الخليجي: فالخطاب لم يكشف عن أي حياد عن نهج إدارة أوباما تجاه الشرق الأوسط. وحيث أكد ترامب على استدامة الدعم الأمريكي لدول مجلس التعاون الخليجي (الدول الإسلامية والعربية)، حرص أيضا على معالجة التوقعات بشأن الدور الأمريكي في المستقبل. وقد نص على مشاركة العبء بشأن القضايا الإقليمية التي تخصهم، واعتباره شرطاً لاستمرار الدعم الأمريكي. كما ركز ترامب على رؤية عربية لمستقبل المنطقة، لأن "الولايات المتحدة لا تستطيع أن تتخذ هذا الخيار" نيابة عن دول المنطقة. وكثيراً ما شكل هذان العنصران أساساً لخطاب أوباما تجاه دول مجلس التعاون الخليجي. وقد ساهمت التصورات السائدة حول تحول الولايات المتحدة عن دول مجلس التعاون الخليجي نتيجة لتحسن علاقاتها المحتمل مع إيران ومحورها الآسيوي، في تصور أن الولايات المتحدة كانت تمارس استراتيجية فك الارتباط تجاه دول مجلس التعاون الخليجي خلال إدارة أوباما. ومع ذلك يمكن وصف هذه الاستراتيجية الأمريكية بشكل أفضل: باعتبارها تركز على تشجيع أكبر على مشاركة العبء بين الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي. لقد عزز فريق أوباما من قبل الالتزام الأمريكي تجاه أمن المنطقة وضماناته على المدى البعيد، وذلك من خلال تصريحات وزيرة الخارجية كلينتون وتصريحات أخرى لمسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى لقادة دول مجلس التعاون الخليجي. تأكيد ترامب ليس جديداً، ولكنه يمثل مستوى أعلى من التأكيد الأمريكي على عدم التحول في التحالف الأمريكي مع دول الخليج. وعليه، فإن الخطاب لا يقدم مؤشراً لاستراتيجية جديدة تجاه دول مجلس التعاون الخليجي أو الشرق الأوسط، بقدر ما يستخلص منه معالجته للمخاوف بشأن التزام أمريكا الأمني تجاه حلفائها التقليديين الخليجيين، وتصحيح الأضرار الناجمة عن خطاب ترامب العدواني أثناء حملته الانتخابية.
نداءات محددة للعمل تم تحديدها من قبل ترامب: تماشياً مع الهدف المشترك المحدد لمعالجة الإرهاب، قدم ترامب لقادة الدول الإسلامية ما يمكن وصفه بدعوات للعمل المباشر:
فهم الراديكالية: مع نهجه الموجه نحو العمل، من أجل التوصل إلى توافق في الآراء حول طريقة للمضي قدماً، لم يعرض الخطاب فهماً عميقاً للتطرف. ويمكن رؤية ذلك على سبيل المثال في التأكيد على ضرورة "إبعاد التطرف" من خلال إبعاد الخطاب الراديكالي عن المساجد. ما يفتقر إليه الخطاب، هو الإشارة إلى عوامل التطرف والقابلية له وفقاً لذلك.
المصالح الأمريكية: استهدف الخطاب كل من العالم الإسلامي والجمهور الأمريكي. فإن في إشارة الرئيس ترامب إلى خلق فرص العمل ودعم الصناعة نتيجة لصفقة الأسلحة الأمريكية الجديدة مع السعودية قبل يوم من مؤتمر القمة، خطاب مباشر لوسائل الإعلام والجمهور في الولايات المتحدة. وتسليط الضوء على الاستثمارات التي تبلغ قيمتها 110 مليار دولار في مجال صناعة الأسلحة الأميركية، يطمئن جمهور ترامب، الذي صوت له على أساس خطابه الشعبوي، على مقدرته على ضمان المصالح الأميركية في السياسة الخارجية، وبناء الجسور مع العالم العربي والإسلامي.