ولكن السؤال الذي يطرح نفسه من هو المسؤول عن تطوير الشباب اليوم ليصبحوا مواطنين يتحلون بالقيم ويعدون بمستقبل أفضل؟ هل تقع هذه المسؤولية على عاتق الحكام أو قادة الدول؟ أم الوزرات؟ هل هم الآباء أم المعلمون؟ أم المجتمع الدولي؟ أم هم الزعماء الدينيون؟ الجواب بالطبع هو أن جميع هؤلاء مشتركون في هذه المسؤولية ولكن السؤال الحقيقي هو كيف يمكن توحيد الأهداف وتضافر الجهود بين جميع المنخرطين في هذه المسؤولية بما في ذلك الشباب أنفسهم.
ويتضح من عدد كبير من الدراسات والاستطلاعات والمبادرات أن العديد من الشباب عبر الوطن العربي الذي تسكنه نسبة كبيرة جدا من الشباب أنهم يعتبرون أساس مستقبل العالم. وإن هذا الوطن الذي يحتضن العديد من الدول والديانات والثقافات وهذا التكتل من العديد من الدول والأديان والثقافات الذي ينصب في بوتقة واحدة تسمى " العالم العربي" ، يعكس مثالا جيدا حول كيف يمكن للمبادرات والممارسات التي تستخدما بعض العناصر نموذجا ممتازا . والهدف الأسمى للمقال هو النظر إلى كيف يمكن الاستفادة منه بصورة جيدة في نهاية الأمر.
لقد تم اكمال ونشر استطلاع أصداء بيرسون-ماستيلر السنوي الثامن لرأي الشباب العربي للعام 2016 مؤخرا، الذي أجرته شركة الاقتراع الدولية "بين شوين بيرلاند" في 16 دولة عربية. جمعت الدراسة بيانات من مقابلات شخصية مع 3500 من الشباب (بنسبة متساوية للذكور والإناث، ولكن أُجريت الغالبية العظمى من المقابلات في المناطق الحضرية) في جميع أنحاء المنطقة. وأشارت النتائج إلى أن غالبية الشباب يبحثون عن المزيد من الحرية وتأمين الوظائف والسلام في حياتهم وأشاروا إلى أن اكبر العقبات التي تواجه الشباب في المنطقة هي البطالة وانعدام الديمقراطية وارتفاع تكاليف المعيشة والاضطرابات الشعبية.
وفي حين أن البعض في الغرب يعتقدون أن الدين يلعب دورا هاما إن لم يكن الدور الرئيسي المحوري في استقرار المنطقة والقدرة على التقدم داخل المنطقة إلا أن الشباب لا يرون أن التطرف الديني له أهمية أو حتى مصدر قلق كما هو الحال مع القضايا الأخرى الأكثر واقعية. وبينما أظهر استطلاع آخر (أجرته بين شوبين ميرلاند ردا على استطلاع الشباب العربي) أن 85٪ من الأمريكيين يظهرون القلق (52% منهم في غاية القلق) بشأن تنظيم داعش ويعتقدون أنه على الأقل نصف الشباب العربي يدعمون هذا التنظيم.
إلا أن الاستطلاع الثامن لرأي الشباب العربي أظهر أن 78% من الشباب الذين شملهم الاستطلاع لا يدعمون داعش على الإطلاق بعكس نسبة 60% التي نتجت عن استطلاع العام الماضي وحتى لو أن المنظمة تخلت عن العنف، فإن 76% من الشباب لا يعتقدون بأن داعش يستطيع أن يقيم الخلافة الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط على الاطلاق. وقال 52% من المشاركين في الاستطلاع بأن الدين يلعب دورا كبيرا جدا في منطقة الشرق الأوسط عموما، على الرغم من أنه لم يتضح ما إذا كان المقصود هو الحكومة أم القيود التي يفرضها الدين على حرياتهم الشخصية. والجدير بالذكر أن هذا الرأي كان بنسبة 61٪ من المستطلعين في دول مجلس التعاون الخليجي مقارنة مع 44٪ فقط من تلك الموجودة في بلاد الشام والأردن.
إنه من المفهوم عالميا أن الطاقة تأخذ المسار الذي تجد فيه أقل نسبة من المقاومة. وهذا يعني أن الشباب الذين يشعرون باليأس بسبب البطالة المتفشية (لا توجد وظيفة ومنزل وزواج) ولا أحد يستمع إليهم، فإن هذه العوامل تجعلهم أكثر عرضة لخطر الإغواء من الجماعات المتطرفة التي توفر لهم نوع من المصداقية والانتماء وقيمة وهوية. وهذا يخلق هذا "فجوة في الأمل" كما وصفتها صاحبة السمو الملكة رانية، ملكة الأردن. حيث أشارت إلى أن مشاعر اليأس هذه وانعدام الهدف واللامبالاة والبطالة والحرمان قد تتحول إلى غضب وعدم رضا وتحريض سياسي وربما حتى إلى ثورة.
ومن الواضح أيضا أن العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم العربي تواجه معضلة في تحديد الأولويات الوطنية: إذن على ماذا ينبغي التركيز؟ الأمن، حتى يتمكن الأطفال والشباب (وعلى وجه الخصوص النساء والفتيات) من الوصول إلى المدارس والكليات بأمان؟ أو التعليم، على أمل أن يتم القضاء على عنف المحرومين والمجرمين وتجار المخدرات والعصابات وبطبيعة الحال المتطرفين الدينيين بالتعليم.
عندما تشتكي بعض الحكومات من وجود "مشكلة مع الشباب"، يبدو وكأن الأمر بأن لديهم "مشكلة وطنية"؛ وتقادم النظام الهرمي الذي يميل نحو الحفاظ على الوضع الراهن والنظر إلى الشباب باعتبارهم عائقا، ومصدر قلق، بدلا من السعي حقا للنظر نحو آفاقا جديدة في معالجة مستقبل أمتهم. حيث أن هؤلاء "المراهقين المزعجين" سيصبحون في أقل من 20 عاما الكبار والقادة المحسنين في المستقبل ويجب بالتالي تجهيزهم على النحو الأفضل.
كان هناك عنصر ملحوظ من هذا الاستطلاع وهو عدد المشاركين الذين أشاروا إلى الإمارات باعتبارها من الدول الرائدة في الطموح: من حيث أظهرت النتائج أن الامارات الدولة العربية الرائدة التي يرغب الشباب العيش والعمل فيها ، كما جاءت أيضا في قائمة الحكومات التي يرى الشباب أن على حكوماتهم محاكاة نموذجها. وكانت الإمارات الثانية في الترتيب العام، بفارق ضئيل خلف المملكة العربية السعودية، لأبرز حلفاءها منطقة الشرق الأوسط. وجاءت الإمارات أيضا على رأس قائمة البلدان التي يؤمن 68% من شبابها بأن لديهم فرص وظيفية جيدة.
والسؤال هنا كيف استطاعت الإمارات تحقيق ذلك بينما تعاني الحكومات الأخرى في المنطقة من الصراعات، وفشلت حتى في فهم لماذا وكيف ينبغي الانخراط مع الشباب؟
وفي جلسة نقاش الذي استضافه مجلس الأطلسي تضمنت اللجنة الرفيعة المستوى أصغر وزيرة في العالم، معالي شما المزروعي وزيرة الدولة لشؤون الشباب في الامارات العربية المتحدة. وتحدثت ببلاغة عن عزم وتصميم قادة حكومة الإمارات على التواصل مع الشباب والإصغاء لهم ومعرفة احتياجاتهم ورغباتهم ومخاوفهم بالإضافة إلى الصعوبات التي تواجه الشباب الإماراتي بصورة عامة. وأعربت عن نية القيادة على تشجيع وتمكين الشباب ليصبحوا صانعي مستقبلهم، حيث يعتبر الشباب في الإمارات العنصر الأساسي في بناء مستقبل البلاد وازدهارها. وكانت حريصة على التأكيد، مع ذلك، على أن هذا سيكون ممكنا فقط من خلال شراكة حقيقية وفعالة بين الشباب والحكومة، والتعليم، والمشاركة الحيوية أيضا من القطاع الخاص والعام.
ومع وصول نسبة البطالة بين شباب الدولة إلى 10٪ فقط، مقارنة مع متوسط نسبة البطالة في المنطقة الذي وصل إلى 40٪، يبدو أن الإمارات هي بالفعل في مقدمة الدول، على الرغم من أنه يمكن المجادلة بأنها وظفت عائدات النفط والغاز "لشراء" مستويات عالية من التعليم الابتدائي والثانوي العالي. ومع ذلك، فمن الواضح أن الحكومة ليست على استعداد للاكتفاء بما حققته من انجازات. وفي إطار برنامج التوطين لزيادة فرص العمل لشباب الإماراتيين في القطاعين الخاص والعام وجهودها لتنويع اقتصادها، يبدو أن الدولة عازمة على أن تكون كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان تجهيز الدولة "للاحتفال بإنتاج آخر برميل من النفط".
وتعزيزا لأهدافها لإشراك الشباب بصورة أكثر فعالية، عينت حكومة الإمارات أصغر وزيرة دولة في العالم للشباب في نطاق جهودها للعثور على أفضل القنوات التي يمكن من خلالها التواصل مع الشباب.
وأدركت الحكومة أن معظم الشباب يواصلون السعي الدؤوب لتحقيق الاحساس ب"هدف"، وتعترف بأن البطالة يمكن أن تؤدي إلى ضياع الشباب واضعافهم. ولكن مسؤولية نجاح الشباب الإماراتي لا تقع فقط على عاتق معالي شما المزروعي: فمن داخل الحكومة، من الواضح أن التعليم يلعب دورا حاسما في تطوير قوة عمل المستقبل بمستوى تعليمي وتقني عالي جدا. ولكن يشتكي أصحاب العمل في مجال الأعمال التجارية في القطاع الخاص بأن الموظفين الشباب الجدد ليست لديهم "مهارات الحياة" الصحيحة أو الكافية، مثل أخلاقيات العمل والمهارات في التعامل بين الأشخاص، والتفكير الناقد، والعمل الجماعي وما إلى ذلك. وهذه شكوى مألوفة على الصعيد العالمي؛ على سبيل المثال وجدت مصر، أن لديها عدد كبير من خريجي الجامعات العاطلين عن العمل يفوق عدد خريجي المدارس الثانوية. وهذا يدل على الحاجة الملحة على الصعيد العالمي وبالتأكيد في الشرق الأوسط إلى معالجة النظم التربوية التي عفا عليها الزمن، مثل التعلم بالحفظ عن ظهر قلب بدون فهم المواد، وتشجيع التعلم الذاتي والتفكير الناقد.
وهناك اقبال كبير في جميع أنحاء العالم على مفهوم أن هذه المهارات يمكن وينبغي أن تدرس، حيث يتعاون البنك الدولي مع الحكومات في جميع أنحاء العالم فيما يتعلق "بإيجاد الحلول لتوفير فرص العمل للشباب" واستراتيجية لتطوير هذه المهارات الحياتية وحتى صياغة اختبارات معترف بها دوليا لقياس معايير النجاح، على الرغم من أن هذا قد يبدو غير بديهي للبعض.وأبرز وليام ريس، الرئيس والمدير التنفيذي للمؤسسة الدولية للشباب، الفوائد الملموسة الناتجة عن مهارات مثل العمل الجماعي والتعاون وحل الاختلافات أو النزاعات وغيرها من المهارات التي تنعكس من أنشطة الشباب في مجال الرياضة، والجماعات الشبابية، والمنظمات الاجتماعية والثقافية وغيرها الذي تحدث عنها في جلسة النقاش الذي نظمه مجلس الأطلسي. ومن المعترف به باعتباره عنصرا حيويا في هذه المساعي لتطوير مهارات الحياة هو مشاركة الشركات الخاصة والعامة، لشرح بالضبط ما هي المهارات المطلوبة في الوقت الراهن والمستقبل في قوة العمل في القطاعات الحكومية والتجارية إذا كان لهذه القطاعات أن تنجح في استغلال إمكانيات الشباب العاملين بها.
وفي الإمارات أنشأت معالي المزروعي "حلقات شبابية" التي تسمح وتشجع ردود الفعل وتبادل الأفكار مباشرة مع وزراء الحكومة. وقد اثبتت سريعا "دوائر الشباب" التي تعقد بانتظام في جميع إمارات الدولة فعاليتها وتمثل ذلك في أول قصة نجاح حيث أُنشأت "حاضنات" لرجال الأعمال في عجمان تماثل تلك الموجودة وتعمل بفعالية كبيرة في دبي وأبو ظبي في البيئات الافتراضية والحقيقية حيث يمكن الوصول إلى الأفكار، والدعم، والتوجيه والتمويل بسهولة أكبر مما يمكن الوصول إليها في قطاع الأعمال العام والخاص والحكومي والمجتمع في جميع أنحاء الدولة.
ولا يزال تشجيع وتمكين المزيد من النساء والفتيات في العالم العربي في التعليم وبالتالي إلى فرص عمل مجدية يمثل تحديا صعبا في كثير من البلدان. وتسعى مبادرة '' الفتيات المراهقات" التي أطلقها البنك الدولي نحو تحدي الحواجز الثقافية والاجتماعية لتمكين المرأة في ليبيريا والأردن وباكستان ونيبال. ولكن واجهت المبادرة مشاكل غير متوقعة، فقد كانت البطالة المتفشية بصورة كبيرة بين الشباب لها أثر سيئ حتى في بعض البلدان حيث لم تكن هناك وظائف كافية لهذا الفوج الجديد من العمال.
وعلى العكس تماما فإن الإمارات تعتبر الدولة الرائدة في المنطقة في تمكين المرأة. حيث أكثر من ثلثي موظفي الحكومة هم من الإناث. وثلث مجلس الوزراء الاتحادي من الإناث وأول رئيسة للمجلس الوطني من الإناث وهذه إحصائيات تتجاوز عدد النساء في العديد من الحكومات والمجتمعات الغربية. هناك جهد حقيقي يُبذل لضمان تكافؤ الفرص لجميع المواطنين في جميع مجالات التعليم الأكاديمي وفي كل جانب من جوانب التوظيف والعمل.
وتعزز الإمارات جهودها من أجل التواصل مع جميع عناصر المجتمع والشباب. وعلى الرغم من أنه في بعض الأحيان تسخر وسائل الإعلام الغربية من تعيين الإمارات لوزيرة السعادة ووزيرة للتسامح بالإضافة إلى وزيرة للشباب باعتبارها نوع من التعينات الرمزية. إلا أنها أتت لضمان تماسك سياسة الحكومة وتناسبها مع ثقافة وتوجهات الدولة، والتي بدون شك ستكون مقبولة ومدعومة من مواطنيها. كما أنها تعمل على ضمان نشر "الأخبار الإيجابية" بانتظام للمجتمع مما يقلل القصص السلبية والضارة. ولم يتحقق ذلك بفرض هذه السياسة على وسائل الإعلام وبسوء نية من الدولة بل بكل بساطة عن طريق إخبار الناس عن الإنجازات الإيجابية لحكومتهم، وزملائهم من المواطنين الشباب وعلى وجه الخصوص من أعضاء المجتمع الصغار الذين فازوا بالثقة والاحترام والاعتراف من أقرانهم والكبار.
ونتيجة لجميع هذه المبادرات والمساعي، يشعر الشباب الإماراتي أن هناك آذانا صاغية لهم، وان المجتمع بحاجة لهم مما يجعل لأهدافهم معنى. وبالتالي يصبح الشباب مسلحا ليس فقط بالجودة العالية في التعليم ولكن أيضا على نحو متزايد بالمهارات الحياتية والريادة في الأعمال وبالتالي ينتفي القلق بشأن إمكانية ضياع الشباب وفشلهم وخيبة أمل الحكومة فيهم. وينبغي أن تطلع العديد من البلدان الأخرى في الغرب وكذلك في العالم العربي على ما حققته دولة الإمارات بإنجازاتها وتتميز بالنفوذ الواضح وحققت الإنجازات الكبيرة في المقام الأول لأنها أولت اهتماما كبيرة بمسؤوليتها تجاه شبابها.