الخميس, 21 نوفمبر, 2024

التعاون بين "مبادرة محمد بن زايد للماء" ودول القارة الأفريقية

يناقش المقال "مبادرة محمد بن زايد للمياه" التي تم إطلاقها لمكافحة ندرة المياه في العالم، مع التركيز على أفريقيا. ويسلط الضوء على تحديات الموارد المائية في أفريقيا، بما في ذلك التفاوت في التوزيع، وأوجه القصور في البنية التحتية، وتأثيرات تغير المناخ. تؤكد المبادرة على أهمية التعاون الدولي والابتكار التكنولوجي والممارسات المستدامة لتحسين إدارة المياه وأمنها في جميع أنحاء القارة.


أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، في التاسع والعشرين من فبراير المنصرم "مبادرة محمد بن زايد للماء" لمواجهة التحدي العالمي العاجل المتمثل في ندرة الماء.
وتهدف المبادرة إلى تعزيز الوعي بأهمية أزمة ندرة المياه وخطورتها على المستوى الدولي بجانب تسريع تطوير حلول تكنولوجية مبتكرة لمعالجتها، إضافة إلى اختبار فاعلية هذه الحلول لمواجهة هذا التحدي العالمي المتفاقم.


كما تستهدف المبادرة تعزيز التعاون مع الشركاء والأطراف المعنية في العالم لتسريع وتيرة الابتكار التكنولوجي للتعامل مع ندرة المياه وتوسيع نطاق التعاون الدولي، والسعي إلى زيادة الاستثمارات الهادفة إلى التغلب على هذا التحدي لما فيه خير الأجيال الحالية والمستقبلية.


واستنادا على هذه المبادرة سيستعرض هذا المقال ندرة وهدر المياه في القارة الأفريقية وسبل تأسيس شراكات بين مبادرة الشيخ محمد بن زايد للماء وبعض الدول الأفريقية تهدف الى كيفية المحافظة على مصادر المياه في القارة وكيفية توفير أنجع السبل للمحافظة على المياه وأفضلها لاستغلالها الأمثل لتخطي تحدي ندرة المياه بأقل تكلفة ممكنة.
تعتبر الوسائل الواعدة والمبتكرة المتعلقة بحسن استغلال الموارد والاستفادة من الثروات هي المدخل الأساسي للإصلاح التنموي في أفريقيا. والمياه هي أحد أهم الموارد التي تتمتع بها القارة الافريقية. فمن حيث الموقع الجغرافي تعتبر القارة الأفريقية محاطة بالمياه من كل جانب، حيث يحدها من الغرب المحيط الأطلسي، ومن الشمال البحر الأبيض المتوسط، ومن الشرق البحر الأحمر والمحيط الهندي، ومن الجنوب المياه المختلطة للمحيط الأطلسي والمحيط الهندي.


 ومع تزايد الطلب على المياه في معظم البلدان بسبب النمو السكاني والاقتصادي غدت المياه واحدة من أهم قضايا الموارد الطبيعية في القارة، لأسباب تعود إلى أنها هي واحدة من منطقتين في العالم تواجهان نقصاً خطيراً في المياه، على الرغم من وفرة موارد المياه العذبة والمياه الجوفية بها، حيث أن هناك تفاوتا كبيرا في المياه المتوافرة والاستخدامات في داخل كل دولة، وبين دول أفريقيا المختلفة، لأن موارد المياه في القارة غير موزعة بالتساوي. فعلى سبيل المثال تعاني دول الساحل والصحراء من محدودية الإمدادات من المياه العذبة، وتواجه كثير من الدول الأفريقية تعقيدات بسبب الجفاف المتكرر وعدم القدرة على ادارة موارد المياه بالطريقة المناسبة، وبسبب معوقات أخرى مثل نقص تقنية البنية التحتية والمؤسسية، وعدم القدرة على تطوير الموارد المائية عن طريق الاستثمار الداخلي أو الخارجي.
وتعد ندرة المياه ظاهرة طبيعية وبشرية المنشأ وتمثل ندرتها شكلا من أشكال نقص الاستثمارات في مجال المياه بالاضافة الى ضعف البنية التحتية، حيث يضطر الناس في الغالب إلى جلب المياه من الأنهار أو البحيرات بأنفسهم أو عبر طرق بدائية من أجل استخدامها للأغراض المحلية والزراعة.


وتمتلك القارة الأفريقية حوالي 17 من الأنهار العذبة وأكثر من 160 بحيرة، وتتشارك في هذه المياه عدد من الدول التي تتداخل حدودها مع بعضها البعض، الأمر الذي يمكن أن يفضي الى نشوب صراع بين تلك الدول في المستقبل بسبب تفاقم ندرة المياه، مالم تكن هناك استثمارات كبيرة لهذه الموارد، واتفاقيات سياسية بين تلك الدول.


تتزود القارة الأفريقية من المياه انطلاقا من سبعة عشر نهرا كبيرا، وكثيرا ما تكون تلك الأنهار هي الحدود السياسية بين البلدان، ومثال على ذلك " نهر النيل " الذي يعتبر أطول أنهار العالم، ويمر نهر النيل داخل تسع دول أفريقية هي، (بروندى – رواندا – زائير – تنزانيا – أوغندا – كينيا – أثيوبيا، وهي دول المنبع، والسودان ومصر، دولتا المصب). كذلك يمكن أن تكون هذه الأنهار مصدرا لعدم الاستقرار الحدودي بين أغلب تلك الدول. وبالاضافة إلى ذلك توجد في أفريقيا حوالي 160 بحيرة، من ضمنها البحيرات العظمى التي تعد أغنى مناطق أفريقيا بالماء.


كما تعتبر أفريقيا احدى أكثر القارات هشاشة أمام ظاهرة التغيرات المناخية بحيث لا يقتصر الوضع على ندرة المياه، وانما تكمن هشاشتها في التفاوت الحاصل في القارة من ناحية نسب هطول الأمطار في كل بلد على حده. ويرجع ذلك الى وقوع القارة في منطقة مناخية تتميز أغلب أرجائها بظاهرتي الجفاف والفيضانات في ذات الوقت. فعلى سبيل المثال يعاني السودان من ظاهرة الجفاف والتصحر في ذات الوقت تتأثر بعض مناقه بفيضانات عالية في شهور الصيف الممطرة على الهضبة الاثيوبية. 


ان الأزمات المناخية المتكررة قد فرضت على القارة الأفريقية الانتباه لقضايا المياه بشكل خاص، وانتهاج سياسات وطنية في اطار تشاركي بين دول القارة، ومن جانب آخر ينبغي على تلك الدول الاهتمام بزيادة كفاءة استخدام المياه عبر اصلاح نظم توزيع المياه في القطاع الزراعي، وزراعة المحاصيل التي تتطلب قدرا أقل من المياه، والاستثمار في التقنيات الحديثة التي تمكنها من تحقيق الاستدامة المائية، خاصة الدول التي ترتبط عندها وفورات المياه بتوفير الطاقة.


لذلك ينبغي على الدول الأفريقية أن تحول نهجها التنموي نحو المياه ليصبح موضوع توفير المياه النقية مسألة سيادية تتعلق بالأمن القومي لتلك الدول. ويظل تحقيق السلم والأمن في مختلف مناطق القارة الأفريقية قضية جوهرية للانطلاق نحو الاستفادة من الثروات. ان ما تزخر به دول أفريقيا الوسطى والجنوبية يمثل مخزونا مائيا لمسايرة التطورات والتغيرات المناخية.
ومن جانب آخر يتطلب الاصلاح في قطاع المياه في أفريقيا معالجة عدم توفر المعلومات في هذا القطاع الحيوي. لذلك لابد من توفير بيانات ومعلومات وافية، سواء عن طريق استبيانات ميدانية أو بحوث علمية، تمكن صناع القرار على مستوى القارة من بناء رؤية كلية وشاملة حول السياسات المائية على المستويين القاري والوطني لكل دولة، وعبر تعزيز دور المؤسسات والهيئات ذات الصلة وتطوير وتعزيز قدرات كوادرها الادارية بوسائل علم الادارة الحديثة والحوكمة والشفافية في ادارة المشاريع العامة.


وبمناسبة اليوم العالمي للمياه، الذي يصادف 22 من شهر مارس من كل عام، وبما أن حوالي 500 مليون شخص في أفريقيا يعانون من صعوبة الوصول لموارد الماء العذبة، وبهدف الاحتفال رفع الوعي بين حكومات وسكان القارة الأفريقية بأزمة المياه العالمية، بما في ذلك المياه الجوفية، وتأثيرات تلك الأزمة على دول العالم، والطرق الواجب اتباعها لمنع الهدر والاستغلال الأمثل للموارد المائية، فيقترح أن تبادر "مبادرة محمد بن زايد للمياه" بعقد شراكات استراتيجية مع أكثر الدول التي تعاني من شح المياه على مستوى القارة الأفريقية بهدف تعزيز قدرة السكان على حصولهم المستدام على الكميات الكافية من المياه الصالحة، بحيث تضمن لهم سبل العيش والرفاهية وتسرع من وتيرة معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وكذلك من أجل الحفاظ على النظم البيئية في مناخ يسوده السلام والاستقرار السياسي.

د.إبراهيم كرسني

د.إبراهيم كرسني

مستشار إقتصادي

المزيد

مجالات الخبرة

  • السياسة العامة
  • قضايا التنمية
  • التخطيط الاقتصادي
  • القدرة التنافسية

تعليم

دكتوراه في الاقتصاد

السيرة الذاتية

تخرج الدكتور إبراهيم كرسني من جامعة الخرطوم حيث حصل على بكالوريوس في الاقتصاد مع مرتبة الشرف ومن ثم الدكتوراه في التنمية الاقتصادية من جامعة ليدز، بإنجلترا. وقد اكتسب خبرة بحثية واسعة في مختلف مجالات الدراسة بدءا من دراسات التنمية والتخطيط الاقتصادي ومشاكل التخلف الاقتصادي إلى إدارة الجودة الشاملة والقدرة التنافسية للدول.

تمتد خبرة الدكتور كرسني العملية على مدى أربعة عقود وتتراوح بين التدريس الجامعي، سواء على المستوى الجامعي أو على مستوى الدراسات العليا، والعمل في المنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والحكومات، على سبيل المثال، عمل مستشارا لوزارة الاقتصاد في مسقط بسلطنة عمان ومستشار التنمية الاقتصادية في الدائرة الاقتصادية بدبي، وكذلك في القطاع الخاص مع مركز دبي لبحوث السياسات العامة.

وقد كان أستاذ زائر وباحث في المؤسسات الأكاديمية ذات السمعة الطيبة؛ ومن أبرزها جامعة بيرغن، بالنرويج، والمعهد الاسكندنافي للدراسات الأفريقية، في أوبسالا، بالسويد، وأكاديمية العلوم الهنغارية، بودابست، المجر. كما نشر عددا من الدراسات في المجلات العلمية المتخصصة، وعمل في مجالس تحرير المجلات الأكاديمية في السودان والخارج؛ على سبيل المثال، مجلة استعراض الاقتصاد السياسي الأفريقي، التي تنشر في انكلترا. وقدم أيضا أوراق بحث مختلفة وشارك في عدد كبير من المؤتمرات والحلقات الدراسية وحلقات العمل الدولية ونشر أكثر من ستين مقال في المطبوعات اليومية فضلا عن ورقات بحث إلكترونية تغطي طائفة واسعة من المواضيع والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .

وسائل التواصل الاجتماعي

ikursany@bhuth.ae