الخميس, 26 ديسمبر, 2024

رسم المستقبل الاقتصادي لليمن: تسليط الضوء على المسارات الداعمة

ناقش خبراء من اليمن والإمارات في ورشة عمل عقدها مركز بحوث في 25 يوليو 2023 مستقبل اليمن الاقتصادي. وسلطوا الضوء على الاعتماد المفرط على النفط، والحاجة إلى حلول مستدامة في مجال الطاقة والزراعة، وإمكانات قطاعات حديثة مثل السياحة البحرية. كما تم مناقشة مفهوم الاقتصاد الأزرق وفوائد اللامركزية للاحتياجات المحلية وجذب الاستثمار، كما تم التركيز على أهمية التعليم لتعزيز رأس المال البشري.


في ورشة عمل عقدها مركز بحوث في 25 يوليو 2023، اجتمعت مجموعة من الخبراء للنظر في المسار الاقتصادي لليمن. وكان من بين المشاركين في النقاش علاء قاسم ومازن أمان والدكتورة نجاة جمعان وعلي الحبشي من "مناصرون اقتصاد اليمن" والمتخصصين الإماراتيين ناصر الشيخ ومروان البلوشي.
 
يستمر الاقتصاد اليمني بالاعتماد على موارده الطبيعية المحدودة، وعلى رأسها النفط، والذي يمثل 80٪ من عائدات البلاد، وهو ما يخلق حاجة ملحة لابتكار حلول جديدة مستدامة لهذه الأزمة وغيرها من الأزمات السائدة والتي تشمل قطاعات مثل الطاقة (لا سيما النفط والكهرباء) والزراعة. القطاعات الصناعية والزراعية في البلاد، وعلى الرغم من البدائية النسبية لهذه القطاعات والحاجة الملحة للتحديث فإنها تواصل توظيف ما يقرب من 40٪ من القوى العاملة اليمنية، مما يؤكد دورها الحاسم في البنية التحتية الاقتصادية. وبالتالي، فإن هذه القطاعات تُساهم في انتهاز القدرات الفردية والتعداد السكاني كمورد أساسي للدخل، بدلاً من القطاعات الإدارية التي قد يتحول فيها الفرد إلى عبء، وهو ما يدفع إلى ضرورة تطوير هذه القطاعات.
 
هُناك عدد من العقبات الاقتصادية التي تواجه اليمن وتمثل كل منها تعقيدات فريدة من نوعها، لا سيما نمط الإداري التقليدي المقاوم للتغير، علاوة على تأثيرات اللامركزية على آلية صنع القرار داخلياً وتسهيل الاستثمار الخارجي. وبالتالي، قد يكون من المهم، من وجهة نظر اقتصادية، تطوير القطاع الاقتصادي في اليمن، عبر التركيز على جوانب تم اهمالها مثل أهمية موقع الدولة الجغرافي المتميز كمورد غير مستغل وقادر على تعزيز الاقتصاد من خلال تعزيز التجارة الدولية والتجارة البحرية، علاوة على تعزيز مبدأ الثروة البشرية التي تتمتع بها اليمن، وذلك لتفادي الممارسات التقليدية التي من شأنها النظر في الموارد الطبيعية فحسب. 

هُناك اهتمام لدى الخبراء الاقتصاديين اليمنيين حيال إمكانات البرامج الاجتماعية والقطاعات الأولية مثل الموانئ والسياحة البحرية وصيد الأسماك، غير المستغلة بالقدر الكافي، من الممكن تحويلها إلى محفزات للتقدم الاقتصادي عبر جذب الاستثمار الأجنبي وتطوير البنية التحتية، والاستفادة من موقعها الاستراتيجي كبوابة من شبه الجزيرة العربية إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي تُعد جميعها جزءاً من مفهوم الاقتصاد الأزرق.
 
يشير الاقتصاد الأزرق إلى الاستخدام المستدام لموارد المحيطات لتحقيق النمو الاقتصادي وتحسين سبل العيش وتوفير الوظائف مع الحفاظ على صحة النظم البيئية للمحيطات. ويشمل هذا الاقتصاد الواعد أنشطة مثل صيد الأسماك والشحن وإنتاج الطاقة (بما في ذلك طاقة الرياح والمد والجزر البحرية) والتكنولوجيا الحيوية البحرية والتعدين تحت الماء. كما يمكن استخدام المنصات البحرية لأنشطة مثل الحفر البحري، أو توليد الطاقة المتجددة، أو تربية الأحياء المائية وغيرها.
 
"الاقتصاد الأزرق" كمفهوم اقتصادي مستدام له فرص نجاح كبيرة إذا ما تم تطبيقها بشكل صحيح في اليمن، حيث إنه عامل تغيير اقتصادي محتمل في اليمن. ونظراً لموقعها الاستراتيجي على طول البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي، فإنها تمتلك إمكانات هائلة غير مستغلة في هذا القطاع.
 
وفي موضوع التعليم، من الضروري التركيز على قطاع التعليم الجامعي والتدريب المهني بالتوازي مع المسارات الأكاديمية التقليدية، تأكيداً على أهمية الثروة البشرية اليمنية ونجاح القوى العاملة اليمنية في بعض دول الإقليم، والذي يُعد مرتبطاً باكتساب المهارات العملية. عدد سكان اليمن، الذي يُقدر بحوالي 33 مليون نسمة، يُعد فرصة مهمة يُمكن استغلالها نظراً إلى المهارة الواسعة التي يتمتع بها جزء من اليمنيين في الأعمال المهنية والفنية والتي من الضروري النظر إليها كإحدى الموارد (البشرية) التي يجب استغلالها، لا سيما في قطاعات محورية مثل السياحة، والفندقة، والنقل واللوجستيات. 
 
وعلى مستوى موازي، فإن الظروف الحالية في محافظات اليمن المستقرة نسبياً تُتيح فرصة مهمة للبدء في إنشاء قطاعات أكثر حرفية وتقنية، عبر تطوير اقتصاد مبني على المعرفة على المدى الطويل، لا سيما مع وجود شريحة واسعة من جيل الشباب الذي يتمتع بكفاءات عالية بدعم من المجتمع الدولي عبر توفير فرص لليمنيين للوصول إلى الموارد التعليمية والتدريب والوظائف بنظام العمل عن بعد. وقد تكون التجربة الهندية، في مدينة بانجلور تحديداً، نموذجاً ملائماً بحيث استطاعت خلال سنوات قليلة من التحول إلى "وادي سيليكون الهند" عبر تحفيز من الحكومة واهتمام بالمنظومة التعليمية في هذه المدينة. العمل على هاذين المسارين سيعود بالفائدة على الاقتصاد اليمني، ويجتنب الحكومة والمجتمعات المحلية من التعويل على تصدير العمالة المهنية، غير المستدامة، فحسب.
 
تظهر آراء جديدة لأن تكون الحكومة قدوة يحتذى بها، من الناحية الإدارية، لخلق مناخ ملائم للقطاع الخاص للنمو والتطور. فقد برزت اللامركزية كموضوع رئيسي، حيث ناقش المشاركون التعقيدات القانونية والدستورية المتعلقة بصفقات الاستثمار، لا سيما في المناطق الواقعة خارج نطاق اختصاص الحكومة المركزية. قد يكون النموذج الاقتصادي اللامركزي حلاً مناسباً لتلبية الاحتياجات المعاصرة، أهمها: 

1. تلبية الاحتياجات المحلية: النماذج الاقتصادية المركزية قد لا تلبي التنوع الإقليمي بشكل فعال، في حين قد تسمح النماذج اللامركزية للمجتمعات المحلية، داخل المحافظات، بتكييف القرارات الاقتصادية مع احتياجاتها الخاصة، مثل صيد الأسماك في المناطق الساحلية أو الزراعة في المناطق الداخلية. وهذا يضمن أن السياسات والاستثمارات تستفيد من التسهيلات المتاحة وفقاً لذلك.
2. جذب الاستثمارات: يمكن أن تجتذب اللامركزية في اليمن المزيد من المستثمرين من خلال تمكين المناطق من وضع سياساتها الاقتصادية الخاصة، مثل الحوافز الضريبية أو اللوائح التشغيلية، وهو ما من شأنه أن يحفز النمو الاقتصادي ويخلق فرص عمل جديدة. كما يمكن للمستثمرين اكتساب الثقة من خلال التعامل مع السلطات المحلية، وهي السلطة التي تتمتع بدراية أوسع بالسياق والتحديات الإقليمية.
3. تخفيف التوترات: قد تخفف اللامركزية من التوترات بين الحكومة المركزية والمحلية، كما هو الحال في اليمن، النابع من تهميش دور المحافظات. وبالتالي، فإن منح المحافظات إدارة اقتصاداتها الداخلية يعزز الإدماج والملكية والمساءلة، حيث تستجيب الحكومات المحلية بشكل مباشر إلى هذه المسائل.
 
إجراء إصلاح شامل في العلاقة بين الحكومة المركزية والمحافظات، والدعوة إلى تكامل الاقتصاد اليمني مع اقتصاد الخليج، يُعد جانباً إيجابياً قد يحظى باهتمام أوسع خلال الفترة القادمة. كما أن هُناك فرصاً أوسع للتعاون والتكامل، من خلال إمكانية ربط اليمن بشبكة الكهرباء الخليجية عبر عمان على سبيل المثال، والذي يحمل أهمية ضمن مسارين. أولاً، فإن ربط اليمن بشبكة الكهرباء الخليجية من شأنه أن يرفع قيمة الطاقة المتجددة، علاوة على تأثيره المباشر في تقليل كلفة الإنتاج نظراً لتفادي كلفة التخزين. ثانياً، فإن مثل هذا المشروع يُعد امتداداً وتوسعاً لهذه الشبكة التي بدأت بضم دول جديدة مقلق العراق، مع وجود فرص واعدة لضم دول أخرى مستقبلاً مثل مصر والأردن. 
 
هُناك إجماع على أن الاستثمارات الموجهة نحو خلق ديناميكية اقتصادية يمكن أن تفتح فرصاً هائلة وذلك كبديل للممارسات التقليدية التي لا تنظر في استدامة نتائج بعض الاستثمارات المقدمة لليمن. كما أن الأهمية الجيوسياسية لليمن للاعبين العالميين مثل الصين يمكنها أن تدفع التقدم الاقتصادي، والتي لا يمكن جذبها إلّا بعد تقديم وتطبيق رؤية اقتصادية واضحة.
 
هُناك جوانب عديدة متاحة لا يتم الاستفادة منها بشكل كام وتطويعها لدعم الاقتصاد اليمني، مثل الجانب الثقافي العميق والمميز في اليمن، والذي يُمكن "تسييله" والاستفادة منه مالياً بشكل سهل عبر التسويق للثقافة والفنون والحضارة اليمنية، وإتاحة السياحة في المناطق المستقرة على غرار تجارب دول عديدة أخرى. 
 
باختصار، سلطت المناقشة الضوء على عدد من الاستراتيجيات والفرص للتقدم الاقتصادي في اليمن. الهدف النهائي هو تهيئة التنمية الاقتصادية دون الاعتمادية على المساعدات الخارجية بشكل كامل. ومع ذلك، فإن الطريق محفوف بالتحديات التي تتطلب جهوداً تكيفية ومستدامة وحلولاً مبتكرة. لا تزال هناك حاجة إلى التعاون الدولي يركز على تسهيل النمو الذاتي نحو اقتصاد يمني مزدهر.

خالد الشمري

خالد الشمري

باحث أول