وضع ترامب نفسه موضع القادر على إحداث التغيير، ووعد بحل جميع المشاكل. وعمد إلى جذب المهمشين مادياً واجتماعياً وقانونياً ودينياً. وهو بذلك -وتحت شعار حرية التعبير- فتح المجال لإطلاق شرور التعصب الأعمى والبلطجة والفظاظة. قال أحد المصوتين ببساطة و منطقية: "أنا أدعمه لأنه مثلي." مثل هذا الشخص الذي تعب من محاولة الحفاظ على وضعه الاجتماعي وحالته المادية، وجد في دعوة
ترامب الشعور بالحرية للتعبير بأساليب لم تكن مقبولة من قبل في المجتمع، كما أصبح يرى ضغطه على الأقليات التي تشكل تهديداً عليه، أمراً مبرراً.
هناك عدة مخاطر متأصلة في المواقف السياسية المتلونة والمتغيرة لترامب.
أولاً، كان ترامب يصرح بأنه سيعيد بناء الجيش الأمريكي ومن ثم يطلقه ضد داعش. ولكن القادة العسكريين الأمريكيين أنفسهم منقسمين، كما هو حال بقية الناخبين، وقد يعارض كثير منهم مثل هذا العمل. وعليه، فإن انتخابه سيسرع باستقالة أعداد من كبار الضباط من الخدمة. علاوة على ذلك، فإن حدة التوتر في الجيش ستزداد عمقاً إذا دعا ترامب والكونجرس إلى تعزيز الوجود للجيش الأمريكي بصورة كبيرة في أي مكان في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث أن القوات مازالت تتعافى من حرب العراق وأفغانستان.
ثانياً، في الوقت الذي وعد فيه ترامب بالوصول إلى صفقة مع إيران أفضل من تلك التي تم التفاوض عليها مع أوباما والمجتمع الدولي، فإن مبادرة كهذه من شأنها معارضة المفاهيم الحالية والمحاذير التي تمارسها إيران حالياً في سوريا ومناطق العراق الواقعة تحت سيطرة داعش.
ثالثاً، ستقوم السياسة الترامبية بإرسال فاتورة لدول مجلس التعاون الخليجي مقابل الدوريات الأمريكية في الخليج والعمليات في ليبيا والدعم الجوي والتدريب وتقديم المشورة ضد داعش. قد يتوقع ترامب أن يدفع مجلس التعاون الخليجي تكالف نشر القوات الأرضية الأمريكية في المنطقة للقضاء على داعش.
في الوقت نفسه، ورابعاً، يبدو ترامب على استعداد للتواصل مع بوتين لعقد صفقة تحافظ على الأسد وتبقى على أساسها المصالح الإيرانية في سوريا على حالها، إلا إذا انضمت إسرائيل إلى الحرب كما فعلت تركيا. قد يبدو هذا متناقضاً مع تصرفات ترامب الأخرى. فريق سياسته الخارجية لا يتوقع منه طرح استراتيجية أو ثبات على مبدأ في دبلوماسيته. للحصول على المشورة في شؤون السياسة الخارجية، جمع ترامب بين الكارهين للإسلام والمشككين في الهولوكوست وعدد من الكتاب والشخصيات الإعلامية. ومن هذا التشكيل يبدو جلياً أنه يريد الأشخاص المؤيدين له والمعجبين به بتملق.
خلال أي سنة انتخابية طبيعية، فإن النصيحة التي قد يقدمها أي عالم سياسي في الولايات المتحدة هي: "حسم وعود ترامب المتطرفة وتهديداته بشدة، وكذلك وعوده الشاذة والراديكالية؛ حيث أن ضوابط وموازين الدستور تسمح لفروع الحكومة الأخرى والإعلام الإخباري وذوي المصالح المالية بكبحه وتقييده." إلا أن سنة 2016 الانتخابية ليست اعتيادية. الدينامكيات والحدود تلاشت في تصب في أصداء الاجتماعات الشعبية المؤيدة لترامب.
قاد ترامب أتباعه الغاضبين إلى أبعد مما وصل إليه أي قائد منذ الحرب الأهلية الأمريكية. وقد صرح أنه في حال خسر، فسيكون ذلك بسبب تزوير في النظام ضده. وهذا التصريح يصل إلى أتباعه بإحساس تزوير النظام تجاههم، مما يقوض شرعية الديمقراطية الأمريكية في نظرهم. إن استخدام ترامب المستمر لكلمة "صارم" لوصف المؤسسات الأمريكية واحدة تلو الأخرى وادعاؤه بأنه سيفوز بالرئاسة إذا لم تسرقها منه النخبة، ستقود البلاد إلى جدل خطيربعد الانتخابات يمس شرعية حكومتها وليس فقط السياسة العامة لها. ويتوقع العديد من المراقبين أن تتضمن ردود الأفعال تجاه خسارة ترامب، مظاهرات عامة وعنف محتمل.
يمكن لهذا الأثر أن يكون عميقاً. إن الاستقرار السياسي في الولايات المتحدة، يعتمد على الأغلبية الحاكمة بشكل أقل منه على إيمان المواطنين بأن التعددية هي التي تضمن التسامح وأن الكرامة في التنوع. هذا الإيمان يضمن الحرية، ,لكنه بحاجة إلى القيم المشتركة في المجتمع والعمل، وحق المشاركة في الحياة السياسية. إن القيم التي ينادي بها ترامب ونشاطه في صرف العديد من المجموعات التعددية، يضرب بهذه المتطلبات عرض الحائط.
المعوق الأكبر بالنسبة لهيلاري كلينتون هو أنها تمثل "اللا تغيير." وأفضل طرح لها للناخبين، هو أنها ليست ترامب. خبراتها التنافسية ومزاجها الملتهب، يقابلهم سمعتها التي روجها الحزب الجمهوري بتجاوزها الحدود القانونية وممارستها لإقصاء الإعلام. إضافة إلى أخطائها المزعومة من عملها في العقارات قبل عقود، مروراً بالتسبب في انزلاق زوجها الأخلاقي، إلى بنغازي، وعلاقاها مع وول ستريت، ثم مؤسسة الأسرة (the Clinton Foundation).
مما يهم المراقبين في الشرق الأوسط أنها في سنواتها السياسية الأولى أبدت تعاطفاً مع الفلسطينيين والقضية الفلسطينية. وحتى وقتنا الحالي،قد يكون لديها ميزة قد لا يقدرها الكثيرون في الشرق الأوسط: لوبي "جي - ستريت" المؤيد للسلام المؤيد لإسرائيل. إن دعم اللوبي يمنحها هامش مناورة للتعامل مع إيران وإسرائيل حيث أصبح اللوبي اليهودي "إيباك" أقل وزناً.
والأكثر أهمية من ذلك، أنه نظراً لالتزام كلينتون القوي بحقوق الإنسان، فقد ترغب في تنحية الأسد وتميل إلى السياسات الضاغطة على إيران لتحقق الامتثال للميثاق النووي والتراجع في سوريا والعراق. من ناحية أخرى، تفتقر كلينتون للفطنة الاستراتيجية في حشد إسرائيل وتركيا مع روسيا لتحقيق الأهداف المذكورة. من المضطر أن تاتي هذه الفطنة من فريق الأمن القومي الخاص بها. وهو ما أصبح ممكناً نظراً لتخلي عدد من واضعي السياسات الجمهوريين عن ترامب، مما يتيح لكلينتون الاختيار منهم إضافةً لخبرائها الديمقراطيين.
تحت الضغط من ترامب ومنافسها الديمقراطي بيرني ساندرز، وضعت كلينتون موضع المعارض لاتفاقيات التجارة العالمية. ولكن في الإدارة، قد تعمل جاهدة على تقنين أكبر قدر من المخططات الهامة التي مازالت في مرحلة الموافقة.
لا ينبغي على المراقبين إفال أسلوب كلينتون الشخصي. خلال فترتها كوزير للخارجية، بدأ القياديون في إيران بعام 2011 بطرح سرد ملائم بشأن التفتيش الدولي لمنشآت الطاقة النووية في إيران، وتصدير الوقود المستنفد، وأمور تقنية أخرى. عرفت كلينتون أن التوقيت لم يكن مناسب بالنسبة للعاصمة واشنطن (وكذلك الشرق الأوسط غير المستقر بسبب الربيع العربي). وقد احتاجت مزيد من الوقت للتواصل مع إيران واختبار صدقها، ولإقناع السعودية وغيرها من دول الخليج بقبول صفقة مع إيران. بناء على ذلك، رفضت المبادرة الإيرانية وتركت هذا الأمر لخليفتها. وقد كان ذلك خصماً على علاقتها بمؤيديها الداعين للسلام في المجتمع المدني الأمريكي، إلا أنها عوضت ذلك باتفاقية أفضل في وقت لاحق. يدل ذلك على واقعية كلينتون، وتوجهاتها المبنية على النتائج وليس على الإرضاء.
خلال فترة إدارتها سيكون على كلينتون التعامل مع المقاومة الروسية على بعض الجبهات، بالإضافة للتعامل مع الكونغرس الذي سيسعى لإحباط كل حركة تقوم بها في الداخل والخارج، تماماً كما فعل مع أوباما. حتى لو باركها الناخبين بأغلبية طفيفة في مجلس الشيوخ، فإن احتمال سيطرة الديمقراطيين على المجلس ضعيفة جداً في ظل فاعلية قيادات الحزب الجمهوري في غالبية الولايات. وقد ضمنت لهم إعادة رسم الدوائر الانتخابية في تعداد 2010 السيطرة على مجلس الشيوخ حتى تعداد 2020.
وكما هو الحال في كل عصر تقريباً، تبقى القضايا المحلية مهيمنة على جدول الأعمال السياسي في الولايات المتحدة. بغض النظر عن مدى اهتمام كلينتون بحل المشاكل الدولية، ستجد نفسها منغمسة في معارك يومية حول الرعاية الصحية، والهجرة، والأمن، والضرائب، والتعيينات القضائية والتنفيذية، والديون، والبنية التحتية المادية، والاحتياجات الاجتماعية التي تفاقمت من جراء التجارة. وإذا وجدت نفسها غير قادرة على التغيير، فإنها سوف تتبع عموماً سياسات إدارة أوباما.