يكتسب الاقتصاد الرقمي في أفريقيا أهمية متزايدة، ويتميز بالتقدم السريع والفرص الواسعة، ولكن مستقبل نموه وتطوره تحكمه عوالم عديدة يأت في طليعتها الشراكة الاستراتيجية بين الحكومة والقطاع الخاص في القطاعات الرائدة التي تقود مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في جميع دول القارة. وبالفعل فقد أثمرت هذه الشراكة عن العديد من النجاحات في مختلف المجالات والأنشطة التي أضافة بعدا نوعيا عميقا لمسيرة التنمية في القارة الأفريقية والتي يمكن حصر أهمها في الآتي:
المبادرات الحكومية: تدرك معظم حكومات دول القارة الأفريقية بشكل متزايد أهمية الاقتصاد الرقمي وتستثمر في البنية التحتية والسياسات واللوائح التنظيمية لدعم نموه. وتهدف مبادرات مثل مشاريع المدن الذكية، والتدريب على المهارات الرقمية، والإصلاحات التنظيمية، إلى تعزيز بيئة مواتية للابتكار الرقمي.
اختراق تكنولوجيا الهاتف المحمول: لقد تجاوزت معظم دول أفريقيا تطوير البنية التحتية التقليدية، وخاصة في مجال الاتصالات. ومعدل انتشار الهواتف المحمولة مرتفع، حتى في المناطق النائية، مما أتاح الوصول إلى الخدمات الرقمية والشمول المالي.
المدفوعات الرقمية: أحدثت منصات تحويل الأموال عبر الهاتف المحمول مثل M-Pesa في كينيا ثورة في المعاملات المالية، حيث قدمت خدمات مصرفية مريحة وآمنة ويمكن للملايين الذين كانوا مستبعدين سابقا من النظام المالي الرسمي الوصول إليها.
التجارة الإلكترونية: أدى نمو منصات التجارة الإلكترونية مثل جوميا وكونغا في العديد من البلدان الأفريقية إلى إحداث تحول في تجارة التجزئة، حيث تقدم مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات للمستهلكين، حتى في المناطق ذات البنية التحتية المادية الضعيفة والمحدودة.
ريادة الأعمال الرقمية: تشهد دول أفريقيا طفرة في ريادة الأعمال الرقمية، مع ظهور الشركات الناشئة في مختلف القطاعات، بما في ذلك التكنولوجيا المالية، والتكنولوجيا الزراعية، والتكنولوجيا التعليمية، والتكنولوجيا الصحية. تستفيد هذه الشركات الناشئة من التكنولوجيا لمواجهة التحديات المحلية وإيجاد حلول مبتكرة لمختلف التحديات التي تواجهها مما يسهل وصول خدماتها الى معظم الشرائح المستهدفة.
مراكز التكنولوجيا وأنظمة الابتكار البيئية: أصبحت المدن الكبرى في معظم المدن الرئيسية في أفريقيا، مثل لاغوس، ونيروبي، وكيب تاون، وأكرا، مراكز للابتكار، مما يعزز التعاون بين رواد الأعمال والمستثمرين وعشاق التكنولوجيا. تدعم مبادرات مثل الحاضنات والمسرعات ومساحات العمل المشتركة نمو النظام البيئي التكنولوجي الموثوق به والذي يعد ضمانة لنجاح مراكز التكنولوجيا.
تحديات الاتصال: على الرغم من التقدم المحرز في مجال التحول الرقمي الذي شهدته معظم دول القارة الأفريقية، الا أن الاتصال لا يزال يشكل تحديا في أجزاء كثيرة من أفريقيا، وخاصة في المناطق الريفية والنائية. يعد تحسين الوصول إلى بنية تحتية موثوقة وبأسعار معقولة للإنترنت أمرا بالغ الأهمية لتمكين المشاركة الأوسع في الاقتصاد الرقمي.
الفجوة الرقمية: هناك فجوة رقمية كبيرة داخل دول أفريقيا، مع وجود فوارق في الوصول إلى التكنولوجيا، ومحو الأمية الرقمية، والفرص الاقتصادية بين المناطق الحضرية والريفية، وكذلك بين مختلف الفئات الاجتماعية والاقتصادية. ويتطلب سد هذه الفجوة تدخلات موجهة وسياسات شاملة من قبل حكومات تلك الدول وذلك لضمان سير التحول الرقمي بصورة سلسة وناجحة.
وبشكل عام، يحمل الاقتصاد الرقمي في أفريقيا إمكانات هائلة لدفع النمو الاقتصادي، والابتكار، والتنمية الاجتماعية، والاقتصادية. ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الإمكانات يتطلب بذل جهود متضافرة من جانب الحكومات والشركات والمجتمع المدني وشركاء التنمية لمعالجة فجوات البنية التحتية، وتعزيز الثقافة الرقمية، وخلق بيئة تمكينية للابتكار وريادة الأعمال.