كانت المفاضلة بين الدولة والفرد جزءًا أساسيًّا من الاختلافات الأيديولوجية التي مايَزت بين التوجُّهات السياسية لمختلف الأحزاب عامَّةً. وربما تَمثَّل أوضح تلك الاختلافات في التمايز بين النزعة الاشتراكية والنزعة الرأسمالية، الذي كان أساس الاستقطاب السياسي في القرن العشرين، وانعكس حتى على تكوينات الأحزاب السياسية في شتَّى دول العالم.
ففي النزعة الاشتراكية كانت فكرة الملكية الاجتماعية -بدلًا من الملكية الفردية- هي أساس السياسات التي جعلت قيمة الفرد تتناقص في مقابل قيمة الدولة والمجتمع، وأساس فكرة "قومية وسائل الإنتاج"؛ في حين أن النزعة الرأسمالية كرَّست الفردانية وحقوق الفرد، ووضعتها في مرتبة تفوق أهمية المجتمع، سواء في الاقتصاد أو السياسة.
وحتى الآن؛ فإن الفروق الجوهرية بين أيديولوجيات الأحزاب المحافظة والليبرالية تكمُن في مدى تعظيمها قِيمَ المجتمع، أو الحريات الفردية التي تبلغ درجة من التطرف العنيف أحيانًا، وهي فروق أوصلت كثيرًا من المجتمعات إلى درجةٍ من الغلَيان السياسي ولَّدت أحزابًا أكثر تطرفًا، في سعي إلى الحفاظ على ملمح من ملامح هُوية المجتمع، سواء أكان عِرقيًّا أم مذهبيًّا أم لغويًّا؛ وأدَّت في الجانب الآخر إلى درجة من التعصب للحريات الفردية مثَّلت نقضًا لجميع الأسس القِيمية للمجتمعات، وبدايةً للصراعات فيها.
وفي ظل تلك التحديات جاء الخطاب الأول لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حفظه الله، الموجَّه إلى المجتمع الإماراتي؛ ليُرسّخ التوازن بين أهمية الدولة وأهمية الفرد، وارتباط ذلك التوازن بالقِيم التي تؤمن بها الدولة، ويشترك فيها جميع مَن يعيشون على أرضها؛ إذ يمثل الخطاب لكثير ممَّن قرؤوه بإمعان وثيقة أشبه بوثيقة حمورابي، أو وثيقة استقلال الولايات المتحدة الأمريكية، التي تُرسي مبادئ الدولة المعتمدة على التسامح والعمل المشترك تحت رايتها.
إن مبدأ الوفاء والإخلاص كان واضحًا في إشارة صاحب السمو رئيس الدولة إلى إنجازات مَن سبقوه، ويُرسّخ فكرة جوهرية هي الاستمرارية والاستدامة في منهج عمل دولة الإمارات، التي لا يلغي الجديد فيها مَن سبق، بل يبني عليه؛ وهو ما يجعل جذورها قوية راسخة في الأرض.
كما أن مبدأ وحدة المصير بين المواطنين والمقيمين وأهمية دور الجميع في العمل المشترك، نابع من عِظم القضايا الكبرى التي تتصدَّى لها دولة الإمارات، من التغيُّر المناخي إلى الأمن الغذائي والتطرف؛ وهي قضايا تستدعي التعاون بين الإنسانية جمعاء؛ فلا غرو إذن أن نتعاون -نحن في دولة الإمارات- معًا على التعامل معها.
وتوضح الحمائيَّة التي مارستها دول العالم فيما بينها أثناء أزمة كورونا، والاستخدام الكبير للهُويات العِرقية في الانتخابات، ونشوء حركات مناهِضة للأعراق أو الديانات في دول متقدمة عدَّة، عُمْق تفاوت النظرة بين الدولة والفرد، وخطورته؛ ومن ذلك التهافت على الموارد، وإغلاق الأبواب في وجوه الآخرين، بل اتهام الغريب بأنه سبب الأزمة. وفي ظلّ مثل هذه الظروف؛ فإن عبارة صاحب السمو رئيس الدولة "لا تشلون هم"، الموجَّهة إلينا وإلى العالم كله، لا تزال راسخة؛ عبارة بسيطة كان معناها الأعمق هو عدم التهافت بسبب الخوف، وعدم التفرقة بين الآخرين بسبب الانتماء....للمزيد: انقر هنا