تتطلب التنمية الاقتصادية في أفريقيا خلق بيئة جاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية من أجل خلق فرص واعدة للقطاع الخاص ليعلب الدور المناط به لتحقيق أهدافها وذلك بالتعاون المثمر مع القطاع العام، وذلك من خلال اعتماد وصياغة السياسات الملائمة لذلك، ومن ثم توفير بيئة استثمارية تضمن للقطاع الخاص أن يلعب دورا حيويا في دفع عجلة التنمية الاقتصادية.
كما تعد تهيئة بيئة الأعمال من أهم ركائز والتحديات التي تواجه القطاع الخاص في أفريقيا والدول النامية بصورة عامة، وتتطلب جهودا متنوعة من تلك الدول لخلق بيئة تمكن جميع المشاركين في التنمية من ممارسة أنشطتهم بسلاسة ويسر، ومن أهمها توفير البيئة التشريعية الكفؤة والمناسبة، رفع جودة الخدمات الحكومية المقدمة للقطاع الخاص وتوفير التمويل وغيرها من مسرعات الأعمال لخلق فرص استثمارية للشركات المحلية،.وبالأخص المتوسطة والصغيرة
ودائما ما تقوم القارة الأفريقية عبر مؤسساتها التمويلية مثل البنك الأفريقي للتنمية بالمشاركة مع المؤسسات الدولية من مجموعة العشرين ومجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بدراسة وطرح مبادرات واتفاقيات مختلفة لتحفيز الاستثمارات ومنها الاستثمارات الخاصة.
على الرغم من أهمية استثمارات القطاع العام، فإن المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي في معظم دول العالم الآن هو القطاع الخاص، لارتباط ذلك بمفاهيم عولمة الاقتصاد وتحرير التجارة العالمية. كما وتعد الملاءمة (القدرة) المالية للاستثمارات الخاصة (المحلية والأجنبية) من أساسيات نهضة وتطوير القطاع الخاص، حيث أنه من المعلوم أن القطاع الخاص يتميز بالريادة في الأعمال والابتكار لأن الجودة والمنافسة هي من أهم العوامل الحاسمة في السوق. كذلك يؤدي القطاع الخاص دورا بالغ الأهمية في خلق فرص العمل وفي تنشيط الروابط مع بقية النشاطات الاقتصادية الأخرى. ومعلوم أن الاستثمارات الخاصة عادة ما تكون مدفوعة بتوقعات المخاطر والعائدات التي تتحدد بمدى ملاءمة بيئة الأعمال.
لذلك لا غنى عن دور فعال للقطاع الخاص لدفع وتعزيز مسيرة التنمية المستدامة في أفريقيا عبر أبعاد وأنشطة متعددة يتمثل أهمها في الآتي:
النمو الاقتصادي: تدفع المؤسسات والشركات الخاصة النمو الاقتصادي من خلال الاستثمار في قطاعات مختلفة مثل الزراعة والتصنيع والخدمات والتكنولوجيا. وتخلق استثماراتها فرص العمل، وتزيد الإنتاجية، وتساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي.
الابتكار والتكنولوجيا: غالبا ما تقود شركات القطاع الخاص جهود الابتكار وتطوير التكنولوجيا، وهو أمر بالغ الأهمية لتنمية أفريقيا. تلعب الشركات الخاصة دورا رئيسيا في دفع التقدم التكنولوجي كحلول التكنولوجيا المالية التي تعمل على تحسين الشمول المالي والابتكارات الزراعية التي تعزز الإنتاجية.
تطوير البنية التحتية: إن مشاركة القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية، بما في ذلك الطاقة والنقل والاتصالات وإمدادات المياه، أمر بالغ الأهمية لتحسين الاتصال وتعزيز التنمية الاقتصادية. يتم استخدام الشراكات بين القطاعين العام والخاص بشكل متزايد لتمويل وإدارة مشاريع البنية التحتية.
خلق فرص العمل: تشكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم جزءا كبيرا من القطاع الخاص في أفريقيا وهي من المساهمين الرئيسيين في خلق فرص العمل. ومن خلال توفير فرص العمل، وخاصة في المناطق الحضرية، يساعد القطاع الخاص على تخفيف حدة الفقر والحد من عدم المساواة.
التجارة والاستثمار: تعمل مشاركة القطاع الخاص في التجارة والاستثمار على تعزيز التكامل الاقتصادي وتعزيز الوصول إلى الأسواق العالمية. وتشارك شركات القطاع الخاص الأفريقية بشكل متزايد في التجارة الإقليمية والدولية، مما يؤدي إلى زيادة الصادرات وجذب الاستثمار الأجنبي.
ريادة الأعمال: تزدهر ريادة الأعمال في أفريقيا، مع تزايد عدد الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة التي تبتكر حلولا لمواجهة التحديات المحلية. تدعم منظومة القطاع الخاص، بما في ذلك الحاضنات والمسرعات وشركات رأس المال الاستثماري، ريادة الأعمال وتعزز ثقافة الابتكار.
المسؤولية الاجتماعية للشركات: تشارك العديد من شركات القطاع الخاص في مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات التي تهدف إلى مواجهة التحديات الاجتماعية والبيئية. ومن خلال الاستثمارات في التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية والاستدامة البيئية، تساهم الشركات في التنمية الاجتماعية ورفاهية المجتمع.
ورغم أن القطاع الخاص يحمل إمكانات هائلة لتنمية أفريقيا، فإنه يواجه أيضاً تحديات مثل محدودية القدرة على الوصول إلى التمويل، وعدم كفاية البنية الأساسية، والقيود التنظيمية، وعدم الاستقرار السياسي. ويتعين على الحكومات وصناع السياسات وشركاء التنمية تهيئة بيئة تمكينية تعزز نمو القطاع الخاص، وتشجع الاستثمار، وتشجع ريادة الأعمال. والتعاون بين القطاعين العام والخاص ضروري لمواجهة هذه التحديات وإطلاق العنان للإمكانات الكاملة للقطاع الخاص في أفريقيا لتحقيق التنمية المستدامة.
كذلك يجب الاهتمام بالإصلاحات ذات الصلة بتخفيف القيود المفروضة على تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وبالسياسات المرتبطة بتدبير الإيرادات المحلية، والإصلاحات المتعلقة بممارسة نشاط الأعمال وغيرها. وعادة ما تمارس كثير من الحكومات الأفريقية التي تواجه ضعف البنية الأساسية للتنمية سياسات غير مناسبة عند صياغة سياستها المالية وذلك بفرض المزيد من الضرائب على القطاع الخاص، وتسعى كذلك لزيادة إيراداتها المحلية من المشروعات الصغيرة والمتوسطة مما يضعف من مساهمة القطاع الخاص في التنمية والاستقرار الاقتصادي. وتوصف مثل هذه السياسات بأنها محاولة معالجة قصيرة المدى للعجز الموجود في إيرادات الدولة. كما ولا تهدف تلك السياسات ولا تؤدي إلى تحقيق النمو الاقتصادي المنشود، والذي كان يمكن أن يتحقق إذا اتبعت تلك الدول استراتيجيات تنمية مستدامة طويلة المدى.
ومن جانب آخر تشجع مؤسسات التنمية العالمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص لسد وتقليص العجز المتنامي في التمويل في الدول النامية، خاصة مشروعات البنية الأساسية التي تحقق التنمية المستدامة في تلك الدول. وتتطلب مشروعات البنية التحتية والاحتياجات الضخمة لمرافق البنية التحتية والخدمات تمويلات ضخمة لا يمكن للقطاع العام وحده تحقيقها خاصة في البلدان المترامية الأطراف. وهنا يمكن للشراكة بين القطاعين العام والخاص أن تسد الفجوة في القدرات المالية والتنفيذية كذلك. ومن القطاعات المرشحة لمثل هذه المشروعات قطاع الطاقة غير الموصولة بالشبكات (مثل الطاقة النظيفة) لضمان الحصول على الطاقة بأسعار معقولة دون انقطاع. كذلك يعد قطاع النقل من القطاعات المرشحة لسد تلك الفجوة لمشروعات البنية التحتية، التي تغطي بدورها الاحتياجات المتنوعة والمتعددة في تلك البلدان.
ان الكثير من دول القارة الأفريقية تعيش حالة من التعقيدات المتزايدة التي تتطلب استجابة فورية وفعالة لتحقيق التنمية المستدامة فيها مثل التأثيرات الناتجة من تغير المناخ وعدم توافر الاستقرار السياسي والأمني، مع تزايد التحديات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. لذلك يظهر جليا دور القطاع الخاص في هذه المرحلة المعقدة من مسيرة التنمية المستدامة. ويمثل إشراك القطاع الخاص في تقديم الخدمات ومشروعات البنية الأساسية للتنمية قوة حيوية ومحركا أساسيا نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة.