ذيل من السمين؟
لقد تابع الإعلام الغربي ودوائر الدراسات في العالم تقريرا مثيرا للجدل أصدرته "مجموعة أوراسيا" لدراسات المخاطر وهو يلخص أحدث كتاب رئيس المجموعة أيان بريمر وهو بعنوان "الذيل السمين: قوة المعرفة السياسية في الاستثمار الاستراتيجي" والذي تم إطلاقه في الأسواق في 9 مايو الجاري.
وقد أشار بريمر، رئيس مجموعة أوراسيا وهي مركز لبحوث المخاطر السياسية، في التقرير الأخير والذي شرح فيها نظرية "الذيل السمين" وهو اصطلاح لما تسميه "سيناريو عدم استقرار سياسي في غاية الخطورة ويبدو غير محتملا "، إلى احتمال تعرض عشر دول في العالم لسيناريو عدم استقرار سياسي. وتلك الدول التي سماها التقرير باكستان وأوكرانيا وروسيا والمكسيك ونيجريا وتركيا والأرجنتين والإمارات واليابان وبولندا.
وفي حين أن تضمين باكستان ونيجيريا والمكسيك لن يفاجئ الكثيرين إلا أن أكبر المفاجئات كانت تضمين الإمارات في تلك القائمة والتي قدر التقرير أنها معرضة لعدم الاستقرار بنسبة 10%. ومن الواضح أن التقرير قد اعتمد على ما تم تصويره في الإعلام العالمي على أنه تقاعس أبوظبي عن دعم إمارة دبي أثناء الأزمة الاقتصادية. وفي حين أن هذا الطرح يعتمد بشكل كبير على موضوع "التنافس بين أبوظبي ودبي" والذي تم نقاشه بشكل كبير سابقا وقبل الأزمة، إلا أن طرحه من قبل مؤسسة مرموقة في هذا الوقت بالذات وفي إطار التغطيات السلبية حول الدولة أعطى الموضوع مصداقية أكبر.
وقد تلقفت العديد من المطبوعات المرموقة ذلك التقرير وروجت له حيث ظهر في دورية "فورينج بوليسي" (السياسة الخارجية) واسعة الانتشار كما أفردت لها وول ستريت جورنال مساحة كبيرة لتغطيتها في نفس اليوم الذي ظهرت فيه نبذة عن تعرض التقرير لدولة الإمارات في استعراض النيوزويك لكتاب "الذيل السمين" والذي كتبه رئيس مجموعة أوراسيا. كما غطت التقرير وكالة زوايا داو جونز والعديد من مطبوعات النخبة الأخرى في حين استغلت وكالة برس تي في الإيرانية التقرير لتؤكد على خطورة الموضوع من وجهة نظر اتفاقية التعاون النووي بين الولايات المتحدة ودولة الإمارات، وعليه فليس من المستبعد أن تصبح أحد المفردات الدارجة في أي خطاب سياسي حول الإمارات.
ولكن لماذا؟
لقد اجتذب التقرير تغطية واسعة في العديد من وسائل الإعلام تركزت بشكل غير مفهوم حول الإمارات، حيث لم يجتذب تضمين تركيا الطامحة إلى موقع في الاتحاد الأوربي أو حتى اليابان والتي تبدوا بعيدة عن أي أزمات سياسية واضحة تعليقات المحللين السياسيين. وبالنسبة للعديد من المحللين الذين يعيشون في الإمارات فإن تضمين الإمارات غير مفهوم، فالتقرير تجاهل دولا تعاني الكثير من الأزمات السياسية الواضحة مثل اليمن التي يهدد النظام فيها ثورة في الجنوب وهجمات في الشمال وعودة للقاعدة بل أنه تجاهل الأزمات السياسية التي تعانيها دول مثل الكويت تصاعد المواجهة بين مجلس النواب الحكومة مما أدى بالحكومة إلى حله مع احتمال عودة نفس الوجوه التي سببت الأزمة مرة أخرى إلى المجلس. إن القول بأن الإمارات قد تشهد أزمة سياسية، بالنسبة لمن يعيشون في الإمارات، يكاد يكون كأن يقرأ شخص ما نعيه في الأخبار، ثم يذهب إلى العمل لتلقي التعاز في نفسه. فالتقرير لم يورد أي أسس ثابتة لدعم ذلك الاستنتاج، فليست هناك مظاهرات في الشوارع، ولا أحاديث علنية أو سرية في المجالس ولا حتى من يفكر بصوت عال لا في مدونة أو أغنية أو حتى نكته تشي بأن هناك من يتداول فكرة كتلك في أوساط مجتمع الإمارات.
سيناريو يبدو غير محتمل
ربما كان ذلك هو المخرج، فتعريف "الذيل السمين" بأنه سيناريو يبدو غير محتمل يوفر المجال لكاتب التقرير لأن يعارض رأي ورأي أي شخص آخر في دولة الإمارات ممن قد يتساءل "عدم استقرار سياسي، أي عدم استقرار؟" فالسيناريو قد يبدوا لنا جميعا من مواطنين ومقيمين ومستثمرين غير متوقع. ويكاد هو الوحيد الذي يرى إمكانية ذلك السيناريو غير المتوقع. ولكن لماذا؟ إن نظرة إلى حجم التغطية الواسعة في الإعلام العالمي لفحوى التقرير والتي اعتمدت بشكل أساسي على تضمين الإمارات في اللائحة قد يلقي بعض الضوء، بريمر يحذر من عدم استقرار في الدولة التي بدأت أنظار العالم تلتفت إليها والتي أصبحت أحد أهم المراكز المالية الناشئة في العالم. ولمن لا يعرف فإن شركة يوراسيا جروب التي يديرها بريمر هي المزود الأول استشارات تقدير المخاطر المالية لكل الشركات المالية المدرجة في وال ستريت. فبريمر كان أبرز من استطاعوا أن يطوعوا العلوم السياسية لخدمة المال حيث كان أول من كتب مؤشر عالمي للمخاطر السياسية لمركز وال ستريت المالي بالشراكة مع بنك سيتيجروب الاستثماري. وبريمر قد استطاع الاستحواذ على إحدى أبرز شركات المعلومات الاستخبارية إنلتيبريدج التي أسسها دايفيد روثكوف وكيل وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون التجارة الخارجية السابق ومستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد كلينتون أنثوني ليك. وتضم قائمة شراكاته كل من بيزنيس واير وبرايسوترهاوس كوبر. ولا غرو أن معظم الشركات المسجلة في بورصة وال ستريت من بين عملاء مجوعة أوراسيا.
ولا شك أن تقرير "أوراسيا جروب" سيكون له جاذبية كبيرة في الأوساط الإعلامية، فاتهام دولة كالإمارات أصبحت نبراسا للاستقرار والتنمية في الشرق الأوسط بأنها معرضة لهزات سياسية، يكاد يثير لعاب الباحثين عن ضحايا الأزمة لاسيما في أجهزة الإعلام، ولكنه في الوقت نفسه مؤشر على أن ذلك الاتهام يكاد ألا يصدق. في نفس الوقت فإن تكهنا كهذا سيوقف قلوب الكثيرين ممن استثمروا ماليا وسياسيا في دولة الإمارات للاستزادة من تحليل مجوعة أوراسيا حول التهديد المحتمل لاستثماراتهم وسياساتهم في المنطقة. وربما تضاف إلى قائمة عملاء مجموعة أوراسيا بعض الشركات المدرجة في بورصة دبي أو بورصة دبي العالمية وغيرهم ممن استثمروا في الإمارات اقتصاديا أو حتى سياسيا مما سيخلق طلبا كبيرا على سوق تحليل المخاطر التي يكاد يتسيدها. تقرير وحيد على وشك أن يهز إمبراطوريات استثمارية كبرى.
نحن لسنا أمام ذيل سمين، بل ذيل يكاد يهز الكلب بأكمله.