الخميس, 21 نوفمبر, 2024

استمرار التصعيد الإقليمي والضربة الأمريكية المحدودة

استهداف المنشأة الأمريكية على الحدود بين سوريا والأردن وحتميّة الرّدّ العسكري الأمريكي على مقتل جنود أمريكيين أبرز الحاجة لدى دول الخليج للتعامل السريع مع أية تداعيات محتملة للرّدّ والتي يرجح أن تتم في سوريا والعراق، بذات الوقت فإنّ التقدير يسير على أساس التعاطي مع مشهد التصعيد الإقليمي الأوسع والذي من المتوقع أن يستمر سواء أكانت الضربة الأمريكية محدودة أم خارج نطاق المألوف في المناوشات الإيرانية-الأمريكية.


تشهد منطقة الشرق الأوسط توتراً بانتظار الرّدّ الأمريكي على الهجوم الذي استهدف القاعدة الأمريكية على الحدود بين سوريا والأردن، والذي أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق المسؤولية عنه. 
بالنسبة لدول الخليج فإنّ هذا الهجوم زاد من المخاطر الأمنية الإقليمية لرفعه مستوى التصعيد على الحدود الأردنية، بينما تواجه الأردن مشكلة التهريب على الحدود مع سوريا من خلال سلسلة إجراءات ومحاولات تعاون مع الحكومة السورية تبعها استهداف أردني لمحافظة السويداء، تعاملت معه دمشق بدون سعي للتصعيد. التحرّك الأول الذي قامت به دولة الامارات والسعودية بعد الهجوم الأخير على القوات الأمريكية كان بتسريع عودة البعثات الدبلوماسية لسفارات الدولتين إلى دمشق وهي الشخصيات الرفيعة الأولى التي يتم اعتمادها، منذ عام 2012 بالنسبة للمملكة السعودية بينما وصل السفير المفوّض وفوق العادة حسن أحمد الشحي إلى سوريا وقدم أوراق اعتماده.

يشير هذا التحرّك إلى أنّ قيادات المنطقة تدرك خطورة المرحلة، وتريد أولاً التوسط بين الأردن وسوريا والمساهمة في منع تحوّل الأردن لمحور استهداف إيراني-أمريكي يهدّد أمن الأردن التي تحمل أهمية استراتيجية لأمن السعودية بالدرجة الأولى وللدور الأمريكي في المشرق العربي، كما يشير التحرك لوجود تحضير إقليمي لاحتواء أي تداعيات قد تنجم عن الرّدّ المتوقع من إدارة بايدن، وميل الترجيحات بأنّ سوريا والعراق هما المرشحتان كنقاط استهداف أمريكية سواء تم الاستهداف بصورة محدودة ضد الميليشيات المرتبطة بإيران والمتواجد في تلك الدول، أو ضد قيادات ومراكز في الحرس الثوري الإيراني خارج إيران والمتمركزة في سوريا والعراق، ما يجعل تقييم نتيجة وحجم العمليات المتوقعة مهمّ جداً بالنسبة للعمل السياسي والأمني في دول الخليج.

لا شكّ أنّ أهمية البرج22 الجغرافية وكونه هدف غير متوقع كان حاضراً لدى اتخاذ قرار الاستهداف، والذي يمكن اعتباره جزء من سلسلة عمليات تصعيدية قامت بها إيران في الآونة الأخيرة في كل من أربيل-العراق وباكستان وسوريا، ورغم نفى بيان لوزارة الخارجية الايرانية ضلوعها في هجوم الطائرة المسيرة ضد المنشأة الأمريكية، فقد يتم رؤيتها كردّ على عملية كرمان في إيران التي أسفرت عن مقتل ما يقارب مئة إيراني تبنّتها داعش بينما اتهمت إيران إسرائيل والولايات المتحدة القيام بالعملية.

إيران ورغم عدم سعيها للتصعيد أو توسيع حرب غزة إقليمياً، فإنّها قد تردّ على أيّة عملية أمريكية خارجة عن الحدود التقليدية ضمن المناوشات المتبادلة عادةً بين الولايات المتحدة وإيران، وهو سبب تهديد المسؤولين الإيرانيين للولايات المتحدة بردّ مقابل، في ظلّ مراقبتهم للإحراج الذي يتعرّض له الرئيس بايدن في سنة انتخابات بعد وصفه بالضعف وفشل السياسة الخارجية من خصمه الرئيس السابق دونالد ترامب بسبب العملية ومقتل ثلاث جنود أمريكيين وجرح عشرات منهم، ومن المتوقع أن تتزايد هذه الانتقادات وأن يتم استخدامها ضد الرئيس بايدن خلال الحملة الانتخابية بحكم أنّ الرّدّ الأمريكي المتوقع لن يصل لدرجة التصعيد مع إيران كدولة بل سينحصر بضرب أدواتها.

التوافق الصامت بين إيران والولايات المتحدة لمنع حصول تصعيد واسع النطاق في الشرق الأوسط لا يعني أنّ القرار ينحصر بهاتين الدولتين، ووساطة دولة الامارات والمملكة السعودية لاحتواء الخلاف الحدودي بين سوريا والأردن لا يعني أنّ الأدوات لإنهاء الخلاف نفسه هو بيدّ هذه الدول خصوصاً مع استمرار العقوبات الأمريكية على سوريا وعدم وجود رؤية لحلّ سياسي يؤدي لإعادة مسار الاقتصاد لمرحلة تتجاوز الاعتماد على المخدرات والتهريب وتركّز على البنية التحتية ومنح المؤسسات المدنية التي انهارت خلال العقد الماضي قدرة على إعادة بناء دورها مثل القطاع الصحّي والتعليمي.

حتى وإن جاء ردّ الرئيس بايدن وفق الحدود التقليدية المتعارف عليها تُدرك دول المنطقة أنّ إسرائيل قادرة على إعادة التوتر وبالتالي زيادة خطر توسيع حرب غزة إقليمياً من خلال الاستمرار باستفزاز إيران بشكل مباشر داخل الأراضي الايرانية أو غير مباشر باستهداف مراكز مهمة لحلفائها، بينما تأتي الرّدود الإيرانية الأخيرة سواء المباشرة من خلال استهداف إربيل أم غير المباشرة من خلال الميليشيات المرتبطة بها في العراق واليمن لتمثّل درجة جديدة من المزايدة الإيرانية والتي تفتح بدورها هامش للتصعيد وارتكاب الأخطاء التكتيكية التي قد ينتج عنها أخطاء استراتيجية سيكون من الحتمي الرّدّ عليها.

بناءً على ذلك، يعتمد التقدير الأمني الراهن في منطقة الخليج على أساس أنّ التوتر على أكثر من جبهة في الإقليم مستمر على المدى المنظور -على الأقل- وأنّ استهداف المنشأة الأمريكية من أحد الميليشيات الناشطة في العراق على الحدود الأردنية-السورية يزيد من أزمة الأردن ومن إشكاليات توافقاتها مع سوريا. هذه الأزمة قد تتفاقم وفق طبيعة الرّدّ الأمريكي المتوقع قريباً، ما يعني أنّ خطط احتواء تداعيات العملية التي يتم تحضيرها في واشنطن مهمّ جداً على المستوى السياسي والأمني، لكن سياسة الاحتواء التي تتبناها دول الخليج بشكل هادئ هي جزء من جهود دبلوماسية وسياسية أوسع تم تفعيلها للتعامل مع مشهد التصعيد في الشرق الأوسط.

رشا الجندي

رشا الجندي

مشرف بحثي

المزيد

مجالات الخبرة

  • خبيرة في الشؤون الأمنية والملفات السياسية الاستراتيجية لدول الخليج.
  • خبيرة في قضايا التعاون والأمن الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وباحث أقدم في شؤون الخليج.

التعليم

  • شهادة ماستر في العلاقات الدولية والنظام العالمي من جامعة ليسستر في المملكة المتحدة 2016.
  • تخرّجت من كلية الحقوق عام 2006.

السيرة الشخصية

أ.رشا الجندي حائزة على شهادة ماستر في العلاقات الدولية والنظام العالمي من جامعة ليسستر في المملكة المتحدة 2016. تخرّجت من كلية الحقوق عام 2006، وتدرّبت كمحامية لتلتحق بنقابة المحامين في دمشق عام 2009. رشا خبيرة في أمن وسياسات منطقة الخليج، وتعمل في هذا الاختصاص منذ عام 2011. رشا باحث أقدم في شؤون الخليج في مركز دبي لأبحاث السياسات العامة، كما أنها تشرف على البرنامج التدريبي للمركز.