ومع تصاعد التوتر عبر الخليج بسبب الفظائع التي وقعت في سوريا في يوم 4 أبريل، يشير بعض المعلقين إلى أن دول الخليج المحيطة الآن ليس لديها الكثير لتقدمه للبلد الذي يضعف المقاومة التي تسعى بقوة نحو إسقاط الرئيس بشار الأسد. ويشير المحللون إلى أن الديناميات في جميع أنحاء الشرق الأوسط قد تغيرت إلى حد ما، وبالتالي يبقى السؤال الأساسي: هل لدى دول الخليج شيئا يذكر لتقدمه لسوريا؟
يشير العديد من المعلقين الغربيين إلى أن الديناميات المتغيرة بين دول الشرق الأوسط قد سهلت هذا التحول في السياسة. وأحد أسباب هذا التحول في الخطاب السياسي والاقتصادي هو الربيع العربي. حيث أن موجة الحركات الثورية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي بدأت في عام 2010 كانت السبب الرئيسي في صراع على السلطة أثار قلق المراقبين الدوليين. إن مدى هذا الصراع على السلطة، والآثار التي أعقبت ذلك، قد حول دون شك الخط السياسي التقليدي الذي اعتقد الكثيرون أنه فكر راسخ في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وكانت سوريا آخر ضحية للانتفاضات العربية، وفي الوقت الذي هزم فيه بعض الحكام العرب، لا يزال الرئيس الأسد متمسكا بالسلطة في سوريا. ومع استمرار النزاع في اليمن في اكتساب زخم كبير، فإن القضايا في سوريا قد حظيت بأولوية كبيرة للعديد من دول الخليج. وبينما يستمر صعود المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران، أصبح الصراع في اليمن مصدر قلق دولي كبير. وتستمر طموحات إيران المهيمنة في تسهيل نزاع متنامٍ مصحوبا بنمو الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن والتي لا تزال بالنسبة لكثير من المراقبين تهديداً حقيقياً ومتميزاً جدا للنظام العالمي المستقر الذي يحاول مكافحة السلوك الأصولي والمتطرف.
ومع أن دول الخليج تضخ الآن كميات هائلة من الطاقة والموارد في اليمن، فإن الشعور العام لدى المعلقين هو أن هذه الدول لم تعد تمتلك الموارد اللازمة للتعامل مع سوريا واليمن على حد سواء. ويشير بعض المراقبين إلى أن التحول المتغير نحو سوريا ليس في الواقع ما يجب على دول الخليج أن تقدمه من منظور الدعم، ولكن هذا التغيير هو في الواقع نتاج لتغيير العلاقات مع الغرب.
وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كانت إدارة أوباما مشكلة حيث وجد العديد من المراقبين أنها تمثل تحدياً كبيراً يصعب تحليله. وكان الإجماع العام بين المحللين الغربيين أن باراك أوباما كان غير بناء إلى حد ما تجاه منطقة خليجية تقدمية ومتطورة وتجاه الشرق الأوسط ككل. وكان لدى العديد من القادة العرب توقعات كبيرة من إدارة أوباما في الغالب بسبب الوعود الكثيرة التي لم تؤت ثمارها. وينظر الكثيرون إلى رئاسة أوباما على أنها إدارة ليبرالية تركز أولوياتها على القضايا الإنسانية ذات الصلة، بدلا من الاستقرار السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط.
وفيما يتعلق بسوريا، فإن نفوذ الغرب له أهمية كبيرة جدا. وليس من المستغرب أن يكون هناك تركيز كبير على الرئيس ترامب وإدارته الجديدة. ومنذ بداية حملته الانتخابية، اتخذ موقف "غير متسامح" تجاه الديكتاتوريات والإرهاب والسلوك المتطرف.
وظهر ذلك بوضوح بعد بضعة أيام فقط من الهجمات الكيميائية في خان شيخون عندما أمر سفن حربية أمريكية بإطلاق 59 صاروخا من طراز توماهوك كروز موجهة استهدفت قاعدة الشعيرات الجوية السورية. وقد عزز هذا الهجوم تصميم الإدارة الأمريكية الجديدة على عدم التسامح مع استخدام الأسلحة الكيميائية وكان دليلا واضحا على مدى اختلاف سلفه عنه فيما يتعلق بهذا التحرك.
وأيد العديد من قادة الخليج الضربة العسكرية الأمريكية إلى حد كبير بسبب حقيقة أنه بعد الفظائع الكثيرة التي وقعت بالقرب من دمشق في عام 2013 تراجع باراك أوباما وأوقف أي شكل من أشكال التدخل العسكري. ورأى العديد من القادة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن هذا ليس محبطا فحسب، بل ضار بشكل أساسي تجاه الموقف ضد نظام الأسد وطموحات إيران الأخرى داخل المنطقة. ويشير المراقبون الغربيون إلى أن الضربة التي أمر بها الرئيس ترامب عززت الوضع المميز للقائد العام واستعادت ثقة القادة العرب وعبر دول مجلس التعاون الخليجي في الولايات المتحدة وأنه لا يزال ينظر إليها باعتبارها القوة العظمى الرائدة في العالم.
وبالنسبة للإمارات، فإن الوضع في سوريا يثير قلقاً خاصاً على المدى الطويل. أساسا، الهدف الوحيد للعديد من أعضاء مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة هو إزالة نظام الأسد. وبدون أي خيار بديل صالح للرئيس الأسد، فإن الشاغل الرئيسي هو أنه بعد إزالته سيظهر فراغ في السلطة سوف تستغله الجماعات المتطرفة. وهذا بدوره قد يخلق وضعاً غير مستقر بصورة أكبر للبلاد والشرق الأوسط الأوسع.
وفي هذا الوقت الحاسم في السياسة الدولية، من المهم أن نلاحظ أن دول الخليج تفضل المزيد من الدعم الغربي بشكل رئيسي بسبب المقاومين الذين تمولهم السعودية وقطر، والذين يواصلون محاربة نظام الأسد. ومن الواضح أن هذه الجماعات المعارضة أصبحت أضعف، كما أن الموارد في جميع المجالات آخذة في الانخفاض بسبب زيادة تدخل والتزام دول الخليج في اليمن. إن احتمال وجود نظام أقوى للرئيس الأسد بدعم من روسيا وإيران هو احتمال مخيف لدول الخليج. وبالتالي، فإنهم يسعون للحصول على دعم غربي للحد من دعم الرئيس الأسد ووقفه في نهاية المطاف. ويشير المراقبون الغربيون إلى أن دول الخليج لا تزال لديها الكثير لتقدمه لحل الأزمة في سوريا. وقد تم التركيز بشكل أكبر على إدارة ترامب لمواصلة دعم هذا الأمر الذي كان جليا أنه كان غير موجود في السنوات القليلة الماضية من رئاسة باراك أوباما.
في نهاية المطاف، من الواضح أنه على الرغم من أن بعض المعلقين يفترضون أن دول الخليج لديها الآن القليل لتقدمه لسوريا، يرجع ذلك في الغالب إلى أولويات متغيرة مثل اليمن. ولا يزال المراقبون الغربيون يتخذون موقفا عاما مفاده أن دول الخليج لا تزال مؤثرة بشكل كبير. ويعد الاستقرار الإقليمي والتمويل الاستراتيجي وتعزيز الثقة السنية إلى جانب تسهيل أوضاع اللاجئين من العوامل الهامة التي لا تزال في الوقت الحاضر جزءا لا يتجزأ من الصراع السوري. وعلى الرغم من أن الدعم الغربي أمر حيوي، فمن الواضح أن الدعم الإقليمي أساسي بصورة خاصة، وأن الموارد التي تقدمها دول الخليج لا تزال تقدم عناصر محددة للصراع الذي يفتقر إليه الدعم الغربي على وجه التحديد من منظور ثقافي ومعرفي. لقد كانت دول الخليج تاريخيا تقدم دعما كبيرا لسوريا وستظل تشكل عنصرا لا غنى عنه تجاه دولة تمثل معضلة على المدى الطويل في الشرق الأوسط.