الخميس, 21 نوفمبر, 2024

امارة دبي والاقتصاد البنفسجي

إن الاقتصاد البنفسجي، الذي سلطت الأمم المتحدة الضوء عليه وتم عرضه منذ المنتدى الذي تدعمه اليونسكو عام 2011، يدمج المبادئ الثقافية والإبداعية ومبادئ الرعاية مع الأنشطة الاقتصادية. ويؤكد على تمكين المرأة والإبداع في الفنون والإعلام، ويهدف إلى التنمية المستدامة. ومن خلال التركيز على النمو الاقتصادي والابتكار والاندماج الاجتماعي، فإنه يقدر التنوع الثقافي كمحرك للتنمية. وتشمل المجالات الرئيسية الصناعات الإبداعية، والتراث الثقافي، والرقمنة، والدعوة إلى السياسات التي تغذي الإبداع والتعبير الثقافي.


مفهوم الاقتصاد البنفسجي
وفقا للأمم المتحدة، فإن الاقتصاد البنفسجي أو ما يعرف باسم "اقتصاد الرعاية"، يمثل رؤية جديدة استمدت لونها من الحركات النسائية المعنية بقضايا تمكين المرأة، والتي تتبنى اللون ذاته. كما يعترف بأهمية أعمال الرعاية وتمكين المرأة واستقلالها ودور ذلك في أداء الاقتصادات، ورفاهية المجتمعات، والتنمية المستدامة.
على الرغم من وجود العديد من المبادرات التي دعت إلى تفعيل الأبعاد الثقافية والاجتماعية لدعم الاقتصاد، فإن الاقتصاد البنفسجي اكتسب شهرته الواسعة منذ عام 2011، إثر فعاليات المنتدى الدولي الأول للاقتصاد البنفسجي الذي عقد برعاية منظمة اليونسكو والبرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية.
سلط المنتدى الضوء على دور الثقافة الحيوي لدعم الاقتصاد، في ظل وجود الكثير من الشركات متعددة الجنسيات التي تسعى لتعزيز مسؤوليتها الاجتماعية تجاه موظفيها. ويظهر البعد الاقتصادي أيضا في الاستراتيجيات الخاصة بالتسويق، إذ تسعى الشركات لتبني الأسلوب الأمثل للتواصل مع المستهلكين في شتى أنحاء العالم، مع الحرص على الترويج للمنتجات والخدمات التي تتلاءم مع ثقافة بلادهم.
ويشير "الاقتصاد البنسفجي" عادة إلى الأنشطة الاقتصادية المتعلقة بالإبداع والثقافة والفنون. ويشمل صناعات مثل الموسيقى والأفلام والمسرح والفنون البصرية والتصميم والأزياء، والأدب والمزيد. ويؤكد مصطلح "الاقتصاد البنفسجي" على المزج بين الإبداع والقيمة الاقتصادية، ويسلط الضوء على أهمية الصناعات الثقافية والإبداعية في دفع النمو الاقتصادي، وتعزيز الابتكار، وتعزيز الاندماج الاجتماعي.
ويعد "الاقتصاد البنفسجي" أحد فروع الاقتصاد الذي يستمد مبادئه من الثقافة المحلية، وهو نقطة محورية لتحريك دفة النمو الاقتصادي، وينبثق من قيم المجتمع وعاداته وتقاليده. كما أنه يمثل في الوقت ذاته أحد المعايير لتحقيق التنمية المستدامة. كما ويسهم "الاقتصاد البنفسجي" أيضا في الحفاظ البيئة من خلال التخفيف من التغيرات المناخية، والكوارث الطبيعية.


الاقتصاد البنفسجي والتنمية المستدامة
يخلق الاقتصاد البنفسجي حالة ذهنية تسعى لمراعاة الجانب الإنساني عند تطوير خدمة، أو إنتاج سلعة غير تقليدية، كما يشكل عنصرا حيويا لمكونات الاقتصاد المستدام ليكمل جانبيه الاجتماعي والبيئي. الأمر هنا يتجاوز فكرة الأرباح وتوفير الوظائف وكيفية التعامل مع العملاء، إذ يهتم أيضا بالبعد الثقافي الذي يعكس التنوع البشري، خاصة في ظل انتشار العولمة.
لذلك يمكن القول إن أهمية "الاقتصاد البنفسجي" تنبع من أهمية الموروث والبعد الثقافي في المجتمعات المختلفة والمرتبطة بمجموعة من العوامل التي ترسخ لهذا النوع من الاقتصاد، وتعمل على خلق التوازن الاقتصادي والسياسي لمختلف البلدان. وأهمية تطبيق مفهوم الاقتصاد البنفسجي في اقتصادات الدول النامية تأتي من ارتباط هذا النوع من الاقتصاد بقيم وثقافة المجتمع بمختلف تعقيداته وتنوعه. وهذا سيسهم في استجابة انسان هذه البلدان وتفاعله الإيجابي ليجعل من ذلك التنوع الثقافي أحد المحاور المساعدة في تطوير الاقتصاد، بالاضافة لكونه مدخلا مهما لترسيخ أبعاد التنمية المستدامة وتحقيق أهدافها وتلبية احتياجات الجيل الحالي والأجيال القادمة من الموارد الطبيعية والاسهام في حماية البيئة من خلال تغيير نمط ثقافة المجتمع في البلاد.


بعض الجوانب الرئيسية لمكونات الاقتصاد البنفسجي
الصناعات الإبداعية:
وتشمل قطاعات مثل الإعلان، والفنون والحرف اليدوية، والتصميم، والأزياء، والأفلام، والموسيقى، والفنون المسرحية، والنشر، والبرمجيات، ولعب الأطفال والألعاب، والتلفزيون والراديو، وألعاب الفيديو. تساهم هذه الصناعات بشكل كبير في الناتج المحلي وخلق فرص العمل في العديد من البلدان.
التراث الثقافي: يعد الحفاظ على أصول التراث الثقافي وتعزيزها وتحقيق الدخل منها، مثل المواقع التاريخية والمتاحف والآثار والموروث الثقافي، مكونات حيوية للاقتصاد البنفسجي. فالسياحة الثقافية، على سبيل المثال، تلعب دورا هاما في توليد الإيرادات وخلق فرص العمل.
الملكية الفكرية: حماية واستغلال حقوق الملكية الفكرية أمر بالغ الأهمية في الاقتصاد البنفسجي. ويشمل ذلك حقوق النشر والعلامات التجارية وبراءات الاختراع والأسرار التجارية، التي تمكن المبدعين والمبتكرين من تحقيق الدخل من أعمالهم واستثماراتهم.
المدن والتجمعات الإبداعية: طورت العديد من المدن والمناطق حول العالم مجموعات من الصناعات الإبداعية، مما أدى إلى تعزيز التعاون والابتكار وريادة الأعمال. وتجتذب هذه المراكز الإبداعية المواهب والاستثمارات والسياح، مما يدفع عجلة التنمية الاقتصادية الى الأمام.
الرقمنة والوسائط الجديدة: أحدثت الثورة الرقمية تحولا في العديد من جوانب الاقتصاد البنفسجي، مما أدى إلى تمكين أشكال جديدة من التعبير الفني، وقنوات التوزيع، ونماذج الأعمال. لقد أدت المنصات، ووسائط التواصل الاجتماعي، وخدمات البث، والأسواق الرقمية إلى إضفاء السهولة على الوصول إلى المحتوى الإبداعي وتوسيع نطاق المشاهدين والمشاركين على مستوى العالم.
التأثير الاجتماعي والثقافي: لا يتعلق الاقتصاد البنفسجي بالقيمة الاقتصادية فحسب، بل يتعلق أيضا بالإثراء الاجتماعي والثقافي. يعزز التعبير الإبداعي الهوية والتنوع والتماسك الاجتماعي، مما يساهم في الرفاهية الفردية والهوية الجماعية.
السياسة والدعم: تدرك الحكومات والمنظمات الدولية بشكل متزايد أهمية الاقتصاد البنفسجي وتنفذ سياسات لدعم نموه. ويشمل ذلك تمويل المؤسسات الثقافية والتعليم الإبداعي ودعم ريادة الأعمال والتعاون الدولي.
وبشكل عام، فإن مشهد الاقتصاد البنفسجي ديناميكي ومتعدد الأوجه، ويشمل مجموعة واسعة من الصناعات والأنشطة وأصحاب المصلحة. يعتمد نموها وازدهارها المستمر على رعاية الإبداع والابتكار والتعبير الثقافي مع ضمان الوصول العادل والمكافآت العادلة للمبدعين والعاملين.
نختم بالقول بأن "الاقتصاد البنفسجي" هو التداخل بين الاقتصاد والثقافة، لاضفاء الطابع الانساني على مسيرة التنمية المستدامة. وهو بالقطع مجال واعد لكونه نموذجا يقوم أساسا على التنمية الثقافية للخروج من الأزمات الاقتصادية وتعزيز اقتصاد المستقبل.


دبي والاقتصاد البنفسجي
أطلق مشروع حي دبي للتصميم عام 2013 بتوصية من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ليكون الوجهة الأولى الجامعة لجميع مجالات الفنون والتصميم وصناعة الأزياء والديكور الداخلي، وكجزء من خطة دبي 2021. ليحقق بذلك تتلخص أهدافه في جذب كبرى بيوت ودور الأزياء العالمية وإحياء الأفكار وخلق روح الإلهام وإثراء المواهب، إلى جانب إشراك ودعم المواهب المحلية والإقليمية والعالمية في مجال التصميم.
تقود امارة دبي مسيرتها التنموية وفق الأضلاع الثلاثة للاقتصاد وهي: الاقتصاد الأخضر، الاقتصاد الأزرق والاقتصاد البنفسجي وهي التي تشكل الضامن الرئيسي لنجاح تلك المسيرة وتحقيق أهدافها لأنها ستمكن الامارة من تحقيق أعلى درجات النمو وفي ذات الوقت تحافظ على البيئة مع ضمان أكبر مشاركة للمبدعين الشباب من الجنسين في تكوين مجتمع الرفاهية والسعادة التي ينشدها جميع قاطني دبي من مواطنين ووافدين.
 

د.إبراهيم كرسني

د.إبراهيم كرسني

مستشار إقتصادي

المزيد

مجالات الخبرة

  • السياسة العامة
  • قضايا التنمية
  • التخطيط الاقتصادي
  • القدرة التنافسية

تعليم

دكتوراه في الاقتصاد

السيرة الذاتية

تخرج الدكتور إبراهيم كرسني من جامعة الخرطوم حيث حصل على بكالوريوس في الاقتصاد مع مرتبة الشرف ومن ثم الدكتوراه في التنمية الاقتصادية من جامعة ليدز، بإنجلترا. وقد اكتسب خبرة بحثية واسعة في مختلف مجالات الدراسة بدءا من دراسات التنمية والتخطيط الاقتصادي ومشاكل التخلف الاقتصادي إلى إدارة الجودة الشاملة والقدرة التنافسية للدول.

تمتد خبرة الدكتور كرسني العملية على مدى أربعة عقود وتتراوح بين التدريس الجامعي، سواء على المستوى الجامعي أو على مستوى الدراسات العليا، والعمل في المنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والحكومات، على سبيل المثال، عمل مستشارا لوزارة الاقتصاد في مسقط بسلطنة عمان ومستشار التنمية الاقتصادية في الدائرة الاقتصادية بدبي، وكذلك في القطاع الخاص مع مركز دبي لبحوث السياسات العامة.

وقد كان أستاذ زائر وباحث في المؤسسات الأكاديمية ذات السمعة الطيبة؛ ومن أبرزها جامعة بيرغن، بالنرويج، والمعهد الاسكندنافي للدراسات الأفريقية، في أوبسالا، بالسويد، وأكاديمية العلوم الهنغارية، بودابست، المجر. كما نشر عددا من الدراسات في المجلات العلمية المتخصصة، وعمل في مجالس تحرير المجلات الأكاديمية في السودان والخارج؛ على سبيل المثال، مجلة استعراض الاقتصاد السياسي الأفريقي، التي تنشر في انكلترا. وقدم أيضا أوراق بحث مختلفة وشارك في عدد كبير من المؤتمرات والحلقات الدراسية وحلقات العمل الدولية ونشر أكثر من ستين مقال في المطبوعات اليومية فضلا عن ورقات بحث إلكترونية تغطي طائفة واسعة من المواضيع والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .

وسائل التواصل الاجتماعي

ikursany@bhuth.ae