الثلاثاء, 23 أبريل, 2024

الإقتصاد الإماراتي: نموذج مستقبلي لعصر ما بعد النفط

تابع المحللون في أنحاء العالم عن كثب هذا الأسبوع إطلاق أبوظبي سندات بقيمة 10 مليار دولار في ثلاث شرائح: 3 مليار دولار لأجل خمسة سنوات؛ 4 مليار دولار لأجل 10 سنوات؛ و 3 مليار دولار لأجل 30 عاما. فاقت الطلبات مبلغ الـثلاثين مليار دولار التي حددتها أبوظبي بثلاثة أضعاف.


ونظرا لاستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والاستراتيجي المستمرة في منطقة الشرق الأوسط الكبير والتعافي البطيء لأسعار النفط في الأسواق العالمية، ينظر إلى الطلب القوي على الانكشاف على ابوظبي على أنه مؤشر جديد على الدور الذي لا تزال تلعبه الإمارات كنموذج للاستقرار والتنمية الاقتصادية التي تسعى بلدان أخرى في المنطقة لمحاكاته. لقد شهد هذا الأسبوع بالمصادفة قول وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون والذي اصبح اسمه مرتبطا بنوع من الحماقة الدبلوماسية لحشد من السياسيين في مانشستر إن سرت الليبية أمامها الفرصة لتصبح ’دبي الجديدة‘ ولكنه اضاف بعد ذلك ”وذلك بعد أن تتخلص من جثث الموتى.“

إلا أنه وإن كانت كلمات السيد جونسون عديمة الذوق وسيئة الإختيار فانها تعبر على أن دبي وأبوظبي تعتبران اليوم نماذج للإنجاز الذي يثير إعجاب الذي يثير إعجاب المجتمع الدولي وما يمكن أن تحققه الحكومة الجيدة والإدارة الاقتصادية السليمة وما يحققه الاستقرار في منطقة كثيرا ما توصف بأنها مصدر للإضطراب والتطرف الذي تغذي به أنحاء العالم.

يرى المراقبون الإقتصاديون للشأن الإماراتي إن الطلب القوي للتعرض الاستثماري للإمارات لن يكون أمرا مستغرباً. لقد بدأت قيادة البلاد في حكومة دبي وفيما بعد حكومة الإمارات جهودا حثيثة لتنويع إقتصاد الإمارات بعيدا عن الاعتماد على عائدات النفط وذلك باتجاه إقتصاد حديث وقوي قائم على المعرفة وذلك كوسيلة للابقاء على الرفاه والإستقرار لفترة طويلة بعد نفاد آخر قطرة من النفط الإماراتي.
تناول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في مؤتمر قمة الحكومات في الإمارات في فبراير من العام 2015 التحديات القادمة بوضوح وقال” بعد خمسين عاما وعندما يكون لدينا حينها ربما آخر برميل نفط سيكون السؤال هو: هل سيكون تصديره حينها أمرا محزنا؟ إذا استثمرنا اليوم في القطاعات الصحيحة فإنه بإمكاني إخباركم بأننا سنحتفي حينها بتلك اللحظة“. وفي كلمة أخرى في أبريل 2016، أكد وزير الاقتصاد سعادة سلطان بن سعيد المنصوري مجددا على أهمية بناء إقتصاد متنوع وقال في المؤتمر الاستثماري الإماراتي السنوي” تركز استراتيجيتنا على بناء اقتصاد قائم على المعرفة في العديد من القطاعات مثل النقل الصناعي والفضاء والطاقة المتجددة وتكنولوجيا المعلومات. “

يرى الشيخ محمد بن زايد إن القطاعات الصحيحة ليست فقط مجرد مزيج من القطاعات عالية الإنتاجية مثل الطيران والخدمات المالية والخدمات اللوجستية، بل إنها تشمل كذلك المزيد من الإصلاحات الأساسية في التعليم والرعاية الصحية و ما ينفع المجتمع. يمكننا القول إن هذه عملية تغير جذري ظلت تتبعها الإمارات على مدى 30 عاماً.

وعند مقارنة الإمارات بالدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي نجد أن الإمارات قد قامت بخطوات كبيرة باتجاه تقليل الأهمية الإقتصادية للنفط في جملة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد والذي من المتوقع ان يبلغ هذا العام (2017) 407.2 مليار دولار. لقد أسهمت عائدات النفط بنهاية العام 2016 بنسبة 30% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات. وتريد الخطة الإقتصادية للبلاد تقلص هذه النسبة إلى أقل من 20%. في المقابل، لا تزال عائدات الطاقة تمثل 42% من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة العربية السعودية وأكثر من 55% في الكويت.

هذه عملية إصلاح تدريجية برهنت قدرتها على إمتصاص تأثير الانخفاض العالمي في أسعار النفط في العام 2014 وقد مثل ذلك جرس انذار لدول أخرى منتجة للنفط مما دعا العديد من الحكومات للتطلع للنموذج الإماراتي لتحقيق الرضا الاقتصادي. خطوة الإمارات برفع الدعم عن الوقود اعقبتها خطوة مماثلة من السعودية ودول أخرى من مجلس التعاون الخليجي الأخرى في العام التالي. وبالمثل كانت الإمارات فاعلة في اتفاق مجلس التعاون الخليجي على إدخال ضريبة القيمة المضافة مع بداية العام المقبل.

لقد أدركت القيادة الإماراتية منذ زمن طويل إن النفط مع حالة الإعتمادية الاقتصادية التي يخلقها لن تدوم لفترة تتجاوز نهاية القرن الحادي والعشرين على الأرجح، ليس ذلك لأن النفط سيبدأ بالنضوب، بل لأن العالم بشكل عام يشهد انخفاضا في الطلب على مواد الطاقة المشتقة من النفط، هذا إلى جانب ظهور مصادر جديدة للنفط والغاز في الأسواق العالمية وابرزها التطورات في قطاعات النفط والغاز الصخري في أمريكا الشمالية.

وفي حين أن بعض المعلقين اشاروا إلى أنه ينبغي أن ينظر إلى بيع أبوظبي سندات هذا الأسبوع سببه قلق اقتصادي على المدى القريب مشيرين إلى أن الأمر يختلف عما تتحدث عنه من نظرة بعيدة، إلا أن الطلب القوي من المستثمرين في أنحاء العالم يعكس الثقة في الإمارات لفترة 30 عاما على الأقل، كما يعبر هذا الاقبال كذلك عن المنافع المستمرة الناشئة عن الإصلاح في الإقتصاد الإماراتي لدرجة إنه لا يمكن بعد الآن التقليل من شأن الإمارات باعتبارها دولة تعيش على عائدات ما تملكه بل إنه أصبح ينظر إليها بشكل متزايد بانها دولة متوافقة مع المعايير العالمية وبالتالي تضمن منتجات الإمارات غير النفطية بقاءها في حالة من الإزدهار في المستقبل.

تواصل أبوظبي ودبي والإمارات الخمسة الأخرى توسيع اقتصاداتها غير النفطية من خلال تشجيع تطور مصادر انتاج جديدة، ولهذا فانه من غير المستغرب أن يتم استقبال بيع أبوظبي سندات هذا الأسبوع بهذا الحماس والتأييد.