الخميس, 18 أبريل, 2024

إستقالة الحريري والاثر الاقليمي

ربما تكون لاستقالة رئيس الوزراء اللبناني والإصلاحات في السعودية تداعيات واسعة على المنطقة


في يوم السبت، فسر رئيس الوزراء اللبناني استقالته بأنها جاءت على خلفية الخوف من اغتياله بطريقة مشابهة للطريقة التي اغتيل بها والده رفيق الحريري في العام 2005. لقد صرح بأن هنالك خطة لاغتياله وأتهم إيران ووكيلها في المنطقة حزب الله بأنهما وراء ذلك.

لقد كانت هنالك تأثيرات سلبية للضغوط التي واجهها رئيس الوزراء الحريري لكونه رئيس الوزراء اللبناني وكونه واقع تحت مراقبة حزب الله المدعوم من إيران. ربما تكون الاستقالة الإجبارية جزءا من خطة من ايران وحزب الله لزعزعة استقرار هذا البلد مما يؤدي لزيادة التوتر بين السنة والشيعة.

لقد شكل رئيس الوزراء سعد الحريري بعد سنوات من الجمود السياسي حكومة ائتلافية أعطت بعض الأمل في السلام والاستقرار للبلاد، إلا إنها انهارت نتيجة انسحاب وزراء حزب الله خلال زيارة الرئيس باراك اوباما في العام 2011. لقد تفاجأ بعض المراقبين باعادة تشكيل الحكومة برئاسة رفيق الحريري العام الماضي إلا أن ذلك أصبح ممكنا بعد تدخل ميشيل عون وهو حليف مسيحي لحزب الله. ومع ذلك فقد أصبح من المستحيل على الحكومة الائتلافية للبلاد إدارة البلاد بسبب تنامي طموحات الهيمنة الإيرانية وقوة حزب الله والضغوط من الرياض. لقد صنفت العديد من الدول حزب الله منظمة ارهابية، إلا أن شكل الحزب لا يناسب القوالب التي تشكل معظم المجموعات الإرهابية حيث أن الحزب نشأ خلال صراع تقليدي وله عدة آلاف من الجنود المزودين بمعدات عسكرية من بينها الدبابات القتالية المعروفة. لقد تفوقت هذه الجماعة على الجيش اللبناني لسنوات عديدة ومع ذلك بقيت العلاقات مع قيادة الجيش ودية وإن كانت علاقة صعبة. يعتقد بعض المحللين إن الجيش يتلقى الأوامر من قيادة حزب الله وإنه ربما لا يمتلك السيطرة الكاملة على كل قواته وقد أسهم هذا كله في قرار رئيس الوزراء الحريري الاستقالة.

إن علاقة الحريري الوثيقة مع السعودية وتلقيه الدعم المادي منها ربما يكون أحد العوامل التي جعلت العناصر المدعومة من إيران تفكر في اغتياله. لقد صرح في السابق بأن حزب الله وإيران قد أدخلوا لبنان في قلب عاصفة العقوبات الدولية. لقد تحدث علنا في تحد واضح لسياسات حزب الله العدائية وصرح بأن الجماعة تنقل الأسلحة لليمنيين والسوريين واللبنانيين وأضاف إن ”على العالم العربي سيقطع الأيدي الشريرة التي تمتد اليه. يبدو أن هنالك عناصر من تحالف حزب الله وإيران حاولت وقف معارضته لأنشطتهما وذلك بإرسال تهديدات له أدت لاستقالته.

هنالك نظرية أخرى بشأن استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري وهي إن الرياض اعطته إنذار أخير مما دعاه لوقف التسوية مع حزب الله وبالتالي جعل حزب الله المدعوم من إيران من جديد في وضع مواجهة جديدة مع إسرائيل أو ربما حرب معها. إن تعزز وضع الرئيس بشار الاسد المستقر والاطمئنان الذي حصل عليه من داعميه الروس والايرانيين يعني أن محاولات الرياض للإطاحة به بالقوة من السلطة عن طريق استخدام الثوار الذين تدعمهم الرياض قد باءت بالفشل وربما يكون هذا هو الخيار الآخر المفضل لها لمواجهة التهديد الذي تشكله إيران في المنطقة. ربما تكون استقالة الحريري خطوة لتوجيه اصابع اللوم لحزب الله متهما اياه بإفشال لبنان بعدم التعامل بالشكل الملائم مع وضع اللاجئين والفشل في التخلص مما تبقى من أتباع التنظيمات المتطرفة مثل القاعدة وداعش والجماعات الأخرى على الأرض اللبنانية.

ربما تكون النتيجة المحتملة أن يشعر حزب الله بأنه مجبر بالبدء في مواجهة مع إسرائيل حيث ان التجارب السابقة في منطقة الشرق الاوسط أظهرت أن هذا يحقق نوع من التوحد داخل الدول العربية. إلا أن الأمر لن يكون هكذا هذه المرة على الأرجح حيث أن السعودية وإسرائيل متفقتان في الوقت الراهن على الأقل على ضرورة تحجيم طموحات إيران في الهيمنة على المنطقة باستخدام وكلاء مثل حزب الله. يعتقد بعض المحللين ان أي حرب بين اسرائيل وحزب الله ستكون من اجل المحافظة على سلامة حدودها. هنالك اعتقاد بان قيام اسرائيل باجتياح كامل مثل الذي جرى في العام 2006 ليس جزءا من تفكير اسرائيل العسكري، إلا أن ذلك ربما يكون خطة طوارئ في حال دعا الأمر. إن إسرائيل لن تبدأ بالحرب حيث أنها ستفكر في موقفها دوليا وإنها لن تحصل على دعم في منطقة الشرق الاوسط وما ورائها عند قيامها بعمل عسكري ضد جيرانها. إذا سيكون الهجوم من ايران او حزب الله قبل شن إسرائيل عملية دفاعية لتحييد ذلك الخطر. لا تزال الصرخات الدولية بشأن استخدام قوة غير متكافئة تتردد في أذهان مخططي الجيش الاسرائيلي وكان ذلك اتهام طال قوات جيش الدفاع الاسرائيلي خلال الحرب على غزة في العام 2008. من غير المرجح كذلك ان اسرائيل لا ترغ أن ينتهي بها الامر كوكيل للرياض التي ترغب في اضعاف قوة وسلطة حزب اسرائيل؟. سيتم بدقة حساب أي مزايا وعيوب لنقل الحرب إلى مكان آخر. لقد بيّن التاريخ إن أي صراع تخوضه إسرائيل تتم مراقبته بدقة ولأجل ذلك فان هنالك أولوية كبيرة لأي اجراءات تجعل قواتها تعمل في اطار قوانين الصراع المسلح والقانون الدولي.

يبدو أن الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وابنه الامير محمد بن سلمان عازمان على الاستمرار في خوض حرب الوكالة ضد ايران من أجل اعاقة طموحاتها في الهيمنة على منطقة الشرق الاوسط في اليمن وسوريا ولبنان.

لا يبدو من الواضح ما الذي سيحمله المستقبل للبنان، إلا أنه يبدو على الارجح ان قبضة حزب الله المدعوم من ايران ستقوى في البلاد سياسيا وعسكريا وإنه سيحافظ على نفوذه الواسع في العراق وسوريا الأرجح، وربما يزداد هذا النفوذ وهو الأمر الذي لا يبشر بخير لمستقبل استقرار المنطقة نظرا لان الحرب السورية قد بدأت تهدأ وذلك في مصلحة الرئيس بشار الأسد وبالتأكيد لمصلحة ايران.

إن حملة ولي العهد محمد بن سلمان بن عبد العزيز ضد الفساد في النخبة السعودية الحاكمة أثار مخاوف جدية في منطقة الشرق الأوسط والعالم. لقد اعتبرت تلك وسيلة لتعزيز قاعدة سلطة عائلة والده الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وتغيير الشكل العدائي في الدولة وتحويلها لدولة معتدلة شبيهة بدبي وإن كانت أكبر منها. إلا أن ذلك قد يجعل اولئك المعتقلين من نخبة العائلة الحاكمة يقاومون محاولاته لإحداث تغيرات اساسية في الوضع الراهن في البلاد. علينا أن ننتظر ونرى شكل وحجم هذه المقاومة ان وجدت، الا أنه من المهم المحافظة على السلام والاستقرار بعد عمليات الاعتقال وذلك من أجل انسياب مرن لنظامه الجديد الذي يسعى اليه. إن بعض المراقبين يعتبرونه شخص يشجع على خرق القانون من ثم يقوم بالمحاسبة وإنه وجد الدعم من والده وقاعدة داعمة كبيرة ومخلصة في البلاد.

يقول المحللون إن حملة التطهير هدفت للذهاب أبعد من سالة الفساد وإن هدفها التخلص من أي معارضة محتملة للأجندة الاصلاحية الطموحة للأمير محمد بن سلمان والتي تجد قبولا كبيرا من الشباب السعودي ولكنها تجد مقاومة من بعض الحرس القديم الذي يرتاح بشكل أكبر لتقليد المملكة في التغيير التدريجي وحكم الإجماع والتوافق. لقد أشاد الكثير من السعوديين بالحملة ضد الفساد واعتبروها حملة طال انتظارها.  
تراقب العيون في منطقة الشرق الأوسط والمجتمع الدولي عن كثب ما يجري في السعودية ويأمل الكثيرون في نجاح رؤية محمد بن سلمان وخطواته الاصلاحية حيث أن السعودية هي الدولة الاغنى والاكبر في منطقة الشرق الأوسط وهي مهمة للمحافظة على السلام والاستقرار في المنطقة. إن آخر ما تحتاجه منطقة الشرق الأوسط هو ربيع عربي جديد أو الأسوأ محاولة انقلابية يتبعها صراع وحالة من عدم الاستقرار لن يكون هنالك مفر منها.