الجمعة, 12 سبتمبر, 2025

بين التطبيع والضم: الحسابات الإستراتيجية في العلاقات الإماراتية الإسرائيلية

الاتفاقيات الإبراهيمية فتحت بابًا جديدًا للتعاون في الشرق الأوسط، لكنها لم تكن شيكًا على بياض لإسرائيل. فاستمرار الضم في الضفة الغربية يهدد ليس فقط مستقبل الفلسطينيين، بل أيضًا مصداقية الاتفاقيات ورؤية الإمارات للاستقرار الإقليمي.


حين وقّعت الإمارات على الاتفاقيات الإبراهيمية مع إسرائيل عام 2020، عُدّت هذه الخطوة اختراقًا دبلوماسيًا تاريخيًا فتح آفاقًا جديدة للتعاون والاندماج والاستقرار في الشرق الأوسط. غير أن الاتفاقيات ارتبطت – ضمنيًا – بتجميد خطط إسرائيل لضم الأراضي الفلسطينية. وبعد خمس سنوات، يكشف استمرار التوسع الاستيطاني والسيطرة القانونية في الضفة الغربية أن مشروع الضم لم يتوقف فعليًا، الأمر الذي يضع مستقبل مسار التطبيع على المحك.
من ضمّ صامت إلى علني
قدّمت القيادة الإسرائيلية التطبيع مع الإمارات كإنجاز تحقق من دون تقديم أي تنازلات للفلسطينيين. وحتى في فترة حكومة إسرائيل السادسة والثلاثين (بينيت – لابيد)، حين بدا أن وتيرة الضم قد تباطأت، لم يتوقف المشروع، بل اتخذ أشكالًا أكثر هدوءًا. ثم بعودة بنيامين نتنياهو إلى الحكم عام 2023، مدعومًا بائتلاف يميني متطرف، عاد التوتر إلى الواجهة. وقد دفعت زيارة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الاستفزازية للمسجد الأقصى في يناير 2023، الإمارات إلى إلغاء الزيارة المقررة لنتنياهو إلى أبوظبي، في رسالة واضحة بأن القدس ووضع الأماكن المقدسة خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها.
أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من حرب في قطاع غزة جذبت الاهتمام الدولي، لكنها وفّرت في الوقت نفسه فرصة لإسرائيل لتسريع الاستيطان وتعزيز سيطرتها الإدارية في الضفة الغربية. هذه الممارسات تعكس عمليًا ضمًا بحكم الأمر الواقع. وما كان يُمارس بصمت لعقود، تحوّل اليوم إلى ضم رسمي وعلني، تدعمه تصريحات الوزراء المتشددين، ويُروج له نتنياهو بلا مواربة أو تحفظ. هذا التحول يعكس سياسة إسرائيلية متصاعدة تسعى إلى شرعنة السيطرة بدل إبقائها في إطار الغموض السياسي.
بالنسبة للإمارات، لا يمثل الضم قضية ثانوية، بل تحديًا مباشرًا لرؤيتها للنظام الإقليمي. وتتجلى تداعياته على عدة مستويات؛ منها المصداقية الدبلوماسية، كون الاتفاقيات لم تعزز المبدأ الجوهري لها وهو التسامح والتعايش، وبناء شرق أوسط أكثر أمنًا وسلامًا. ناهيك عن أن استمرار الضم يهدد بعزل إسرائيل مجددًا، بعد أن لعبت الإمارات دورًا رئيسيًا في دمجها ضمن مبادرات متعددة كالقيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط، والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. وفي هذا السياق، جاء تصريح وزارة الخارجية الإماراتية في 3 سبتمبر 2025 على لسان السفيرة لانا نسيبة ليؤكد أن الرغبة الإماراتية في التعايش الدبلوماسي مع إسرائيل مرتبطة بضرورة احترام الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني.
ما هو على المحك
جلب التطبيع مكاسب ملموسة، كارتفاع حجم التجارة إلى أكثر من 10 مليارات دولار، ومشاريع مشتركة في التكنولوجيا والطاقة، وفتح قنوات جديدة للتبادل الثقافي لم تشهدها إسرائيل من قبل. في المقابل، يهدد الضم بنسف هذه الإنجازات، لأنه يقوّض الأساس الذي قامت عليه الاتفاقيات، أي أن السلام مرهون بضبط السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. فالضم لا يُعد مسألة قانونية أو أخلاقية فحسب، بل هو عامل استراتيجي حاسم لمستقبل المنطقة.
ويبقى السؤال: هل تستطيع إسرائيل أن تكون شريكًا في بناء شرق أوسط مستقر ومترابط، أم ستتحول إلى عبء سياسي واستراتيجي؟ الجواب سيتوقف على أفعال إسرائيل على الأرض، وعلى استعداد شركائها لفرض الخطوط الحمراء.


المقال هو ملخص لورقة بحثية أُعدّت لصالح مؤسسة التعاون الاقتصادي (ECF).
 

حمده الكندي

حمده الكندي

باحث أول