الخميس, 21 نوفمبر, 2024

بين الواقعية السياسية والخطاب الثوري تحولات العلاقة الإيرانية - الاسرائيلية

يعود التواجد اليهودي في بلاد فارس إلى حوالي 2700 عام في مناطق خرسان وطهران والذي لا يزال يعتبر التجمع اليهودي الأكبر في منطقة الشرق الأوسط خارج إسرائيل، يقدر عددهم بحوالي 15 ألف نسمة ويمثلهم نائب في البرلمان الإيراني.


يعود التواجد اليهودي في بلاد فارس إلى حوالي 2700 عام في مناطق خرسان وطهران والذي لا يزال يعتبر التجمع اليهودي الأكبر في منطقة الشرق الأوسط خارج إسرائيل، يقدر عددهم بحوالي 15 ألف نسمة ويمثلهم نائب في البرلمان الإيراني. خرج منهم عدد من القيادات الإسرائيلية مثل موشيه كتساف الرئيس الإسرائيلي السابق وتولى معه عدد من القيادات الذين أطلق عليهم "أطفال طهران" منهم وزير الدفاع شاؤول موفاز وهم مجموعة من اليهود البولنديين الذين هربوا من النازية الألمانية إلى طهران وتوجهوا إلى تل أبيب عام 1943.

بالرغم من أن إيران كانت ضمن ثلاثة عشر دولة صوتت ضد قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين عام 1947، كما رفضت قبول انضمام إسرائيل إلى الأمم المتحدة عام 1949، إلا أن هذه العلاقة شهدت تحولاً جذرياً وتكونت علاقة وطيدة بين حكومة محمد رضا بهلوي مع الجالية اليهودية في الدولة البهلويه أدت إلى أن تكون إيران ثاني دولة مسلمة تعترف بإسرائيل بعد تركيا في العام 1950.

استمر هذا التحالف الضمني بين الدولة البهلويه وإسرائيل خلال فترة تأسيس الدولة الإسرائيلية حيث قدمت لها الدعم السياسي والعسكري في انتظار الإعلان عن قيام دولة إسرائيل التي كان مسؤولين إيرانيين ينتظرون تدشينها وقد تم تعيين المبعوثين الدبلوماسيين الإيرانيين لهذا الغرض حتى قبل قيام الدولة، حيث أعلن عن تعيين إيران رضا صفيانه كأول دبلوماسي إيراني مبتعث من الحكومة الإيرانية لتل أبيت في مارس من العام 1949، فيما تم تأسيس بعثة دبلوماسية إيرانية في تل أبيب ومنحت إسرائيل اعترافاً "بحكم الامر الواقع" بعدها بعام في مارس 1950، وتشكل في حينها تحالف بين ايران وتركيا وإثيوبيا وإسرائيل لتسهيل الهجرات اليهودية من هذه الدول والدول العربية المجاورة "العراق" تحديداً إلى إسرائيل.

خلال فترة حكم الشاه محمد رضا بهلوي وعلى مدى 25 عاماً شكل التحالف الثلاثي بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران واحداً من أهم التحالفات الامنية في منطقة الشرق الأوسط، ومن خلال هذا التحالف حصلت إسرائيل على النفط الإيراني عن طريق خط الانابيب إيلات – عسقلان، كما تكثفت العلاقات الأمنية والاستخباراتية بين الموساد والسافاك، وقد حين حصلت كلا الدولتين على أحدث التجهيزات العسكرية من الولايات المتحدة الامريكية وجرت التدريبات العسكرية المشتركة بين قوات البلدين على ذات التشكيلات العسكرية في ذلك الوقت. تشابه الأنظمة الدفاعية بين البلدين في ذلك الوقت أدى إلى مشاركة طيارون إيرانيون مع القوات الإسرائيلية في طلعات جوية مشتركه في النقب للتأكيد على استعداديتهم للتعاون العسكري والعمل ضمن منظومة عسكريه مشتركه.

مع تولي رئيس الوزراء محمد مصدق سدة الوزارة قام بإغلاق البعثة الدبلوماسية الإيرانية في إسرائيل عام 1951، بهدف استثمار هذا الموقف لكسب ود العرب لتأييد إيران في قضية تأميم صناعة النفط الإيراني لدى الأمم المتحدة، وامتداداً للمد القومي الذي اجتاح المنطقة وحركات التحرر التي دعت لإعادة سيطرة دول المنطقة على مواردها وإمكانياتها الاقتصادية. خلال هذه الفترة رفضت إيران الاعتراف بإسرائيل وقبول طلبها بالانضمام للأمم المتحدة، لكن بقيت الأقلية اليهودية في إيران على صلة وثيقة بإسرائيل.

قيام الثورة في إيران، أصاب إسرائيل بصدمة لانقطاع أواصر هذه العلاقة التي استمرت لعقود من الزمن وقد قال إسحاق رابين عن هذا الموضوع أنه "على مدى ثمان وعشرين سنة، كانت إيران صديقاً مقرباً لإسرائيل وإذا استمرت هذه الصداقة طوال هذا الوقت، فلماذا لا يمكن أن تستمر بمجرد التخلص من هذه الفكرة المجنونة وهي الأصولية الشيوعية؟".

في بداية الثمانينيات وخلال الحرب العراقية – الإيرانية، تعاونت إيران مع الاستخبارات الإسرائيلية بإرسال معلومات حول المفاعل النووي العراقي الذي تم قصفه عام 1981 من قبل إسرائيل وذهب البعض بأن الهجمات الجوية التي قام بها سلاح الجو الإسرائيلي انطلقت من إيران.

بالرغم من الاعتقاد السائد بأن هذه العلاقة لم يعد بالإمكان رأبها بوجود النظام الإيراني بشكله الحالي، إلا أن الواقعية السياسية فرضت مناخاً مغايرا للعلاقة الإسرائيلية – الإيرانية، فمع تزايد الطموح العراقي للعب دور رئيسي في منطقة الشرق الأوسط وبروز قوة صدام حسين وطموحة للتوسع في المنطقة، وجد كل من إسرائيل وإيران عدو مشترك من المهم التحالف من أجل ضمان عدم توسعه على حساب نفوذهم في المنطقة. ووجد مناحم بيغن وأرييل شارون أن من مصلحة إسرائيل إبقاء الحوار مفتوحاً مع طهران من أجل عرقلة الطموح النووي العراقي خلال فترة الثمانينيات، وفق مبدأ "عدو عدوي هو صديقي".

منذ خريف العام 1980 سلمت إسرائيل كميات من الأسلحة والذخيرة وقطع الغيار لإيران عن طريق يعقوب نمرودي الذي كان آخر ملحق عسكري إسرائيلي في طهران قبل اغلاف السفارة مع تولي حكومة مصدق، كانت هذه مقابل الصفقة التي تم التفاوض عليها بين الولايات المتحدة الامريكية وإيران لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين، كما أوجدت سوقاً جديداً للسلاح الإسرائيلي، ولم يتوقف هذا التعاون بين البلدين إلا مع بروز فضيحة "ايران جيت" في عام 1986 وقد فرضت الولايات المتحدة على إسرائيل وقف تعاونها مع إيران والذي كان من المقرر أن يشمل بيع 18 مقاتلة من طراز فانتوم و46 قاذفة صواريخ خفيفة سكاي هوك و 4آلاف صاروخ جو – جو ومضادات للدبابات في مقابل اطلاق الاسرى الأمريكيين في لبنان، في نفس الوقت الذي بدأ خميني بإطلاق اسم الشيطان الأصغر على إسرائيل.

مع انتخاب هاشمي رفسنجاني كرئيس في العام 1989 تم إعادة إحياء حوار غير رسمي بين إسرائيل وإيران واستمر الحوار الهادف إلى المحافظة على التوازن الإقليمي في المنطقة بما يضمن عدم التصعيد بما في ذلك النظام السوري وحزب الله في لبنان، وصلت ذروة الحوار مع خاتمي الذي سعى إلى بدء تقارب مع إسرائيل واقترح خطة سلام على إدارة جورج بوش الابن في ذلك الوقت إلا ان الولايات المتحدة لم تكن مستعدة لهذا التقارب في ذلك الوقت التي كانت مشغولة بالعراق والتقارب الكبير مع دول الخليج العربية بناء على احداث حرب الخليج، بالرغم من محاولات آرييل شارون لتجاوز الرفض الأمريكي وبدء المفاوضات مع طهران.

تباينت مراحل التعاون الإيراني – الإسرائيلي بين المصالح المشتركة والخطر المشترك في عدد من مراحل تأسيس الدولة الإسرائيلية، مما دفع الحكومات المتعاقبة إلى إبقاء باب الحوار مفتوحاً بين البلدين بالرغم من العداء المعلن.  تبدو إمكانية التقارب في هذه المرحلة شبه مستحيلة بسبب تعارض المصالح حيث تؤكد إسرائيل على مبدأ المحافظة على "التفوق العسكري والتكنولوجي" الذي وعدت به الولايات المتحدة في مقابل دول الجوار الاقليمي وقد عملت إسرائيل على التأكيد على هذا المبدأ خلال العقود المنصرمة لتأكيد استمرار الدعم الأمريكي لها في المنطقة.

لطالما كان البعد الجغرافي يمثل حاجز طبيعي يجعل الصدام بين البلدين محدوداً، وبالرغم من وجود حزب الله على اعتاب إسرائيل الا ان تحركاته بقيت منضبطة في إطار التفاهمات الإسرائيلية – الإيرانية، لكن مع ضعف الدول العربية الفاصلة جغرافياً وتمدد إيران لهذه المناطق التي كانت تمارس درجة من الاستقلالية عن طهران، أصبحت المواجهة أكثر وضوحاً ومباشره. وأدت إلى تصادمات مباشرة ليس فقط مع المليشيات المدعومة من قبل إيران، ولكن مع الحرس الثوري الإيراني المتواجد في سوريا. كما شهدنا مؤخراً حرب غير معلنه طالت الفضاء السيبراني والأمن البحري بين البلدين وتبادل الاتهامات بالتعرض لمصالح كلا البلدين وتهديد امن مواطنيها.

استمرار إيران في تطوير قدراتها النووية وإمكانية امتلاكها سلاح نووي، ستبقى في خانة الدولة المعادية لإسرائيل، تسبب هذا الامر بقلق المجتمع الدولي ودول الجوار بشكل خاص، فيما تتسبب تحركات المليشيات في عدد من العواصم العربية المهمة إلى إبقاء المنطقة في حالة من عدم الاستقرار الامر الذي دعا إسرائيل إلى أن تكون في المعسكر المقابل لإيران وأدى إلى إعادة تشكيل التحالفات بين دول لمواجهة السياسة الخارجية الإيرانية التي تراها دول المنطقة مزعزعة لأمن واستقرار المنطقة

بالرغم من عدد من المحددات التي تقف حائلاً دون عودة الحوار بين إيران وإسرائيل واستمرار التباعد بدلاً من إيجاد أرضية مشتركة لإعادة التعاون كما حدث في الماضي القريب، إلا أن البراغماتية وتحقيق المصالح المشتركة في كلا البلدين قد تكون سبباً للتقارب المستقبلي.

 

 

التطور الزمني للعلاقات الإيرانية – الإسرائيلية:

**** فارس القديمة أرض قوروش مخلص اليهود من الاسر البابلي.

1947 إيران تصوت ضد تقسيم فلسطين في الأمم المتحدة.

1948 بن غوريون يعلن تحالف إسرائيل مع جيرانها غير العرب إيران، تركيا، أثيوبيا.

1950 اعتراف إيران بإسرائيل وبدء تحالف استراتيجي بين البلدين.

1951-1952 حكومة مصدق، وتراجع الاعتراف الإيراني بإسرائيل.

1967 – 1979 تصدير النفط الإيراني لإسرائيل عبر خط أنابيب إيلات – عسقلان.

1979 الخميني يعلن مقاطعة إسرائيل.

1981 – 1988 تصدير السلاح من إسرائيل لإيران.

1989 – 2002 مباحثات إحياء مد أنبوب نفط إيلات – عسقلان لنقل النفط الإيراني.

الشيخة نجلاء محمد سالم  القاسمي

الشيخة نجلاء محمد سالم القاسمي

مدير إدارة الشؤون الدولية

المزيد

مجالات الخبرة

  • العلاقات الدولية

التعليم

  • شهادة بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة الإمارات العربية المتحدة

السيرة الشخصية

في عام 1994 حصلت الشيخة نجلاء محمد القاسمي على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة الإمارات العربية المتحدة. وفي عام 2015 حصلت على درجة الماجستير في الحكومة الإلكترونية من جامعة ستوكهولم. في عام 1999 عملت كباحثة في مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية.

في عام 2002 بدأت العمل مع وزارة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، في عام 2008 تم تعيينهما سفيراً فوق العادة ومفوضاً في السويد. في عام 2010 وسفير غير مقيم في كل من جمهورية فنلندا والمملكة الدنماركية على التوالي ثم نقلت للبرتغال عام 2014.

عادت إلى الإمارات العربية المتحدة وبدأت العمل في جامعة زايد في الفترة من أغسطس 2016 إلى يونيو 2018. ابتداءً من يوليو 2018 التحقت بمركز دبي للسياسة العامة (بحوث) كباحثة أولى ومسؤولة عن برنامج “دول مجلس التعاون الخليجي في عالم متعدد الأقطاب”.