الخميس, 21 نوفمبر, 2024

دبي نموذجا لتطوير مدن العالم النامي

يسلّط هذا المقال الضوء على التحوّل السريع الذي تشهده دبي إلى مدينة عالمية، حيث تقدّم نموذجاً للمدن النامية. وتشمل الجوانب الرئيسية القيادة ذات الرؤية الثاقبة والتخطيط الاستراتيجي والتنويع الاقتصادي والبنية التحتية ذات المستوى العالمي وتعزيز السياحة والحوكمة الفعالة والابتكار والشراكات بين القطاعين العام والخاص والاستثمار في التعليم. وقد ساهمت هذه العناصر في دفع عجلة النمو في دبي، مما جعلها معياراً للمدن التي تسعى إلى تحقيق تنمية مماثلة.


إن النموذج الذي اتبعته امارة دبي منذ بداية نهضتها الاقتصادية والاجتماعية الراهنة والذي أفضى بها لأن تكون أكثر المدن العالمية سرعة في التطور يقدم العديد من الأفكار والدروس التي يمكن لمدن العالم النامي التي تسعى إلى تحقيق تحول مماثل أن تطبقه بدرجة عالية من الثقة في نجاح مسيرة نهضتها وتطورها. 

وفيما يلي بعض الجوانب والعناصر الرئيسية لنموذج دبي التنموي الذي يمكن لمدن العالم النامي أن تتبعها:

1-     القيادة الحكيمة والتخطيط الاستراتيجي


دبي:
• القيادة الحكيمة: شكلت رؤية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الأساس في تحول دبي من مدينة صحراوية الى مدينة عصرية تضاهي وتنافس أكبر المدن العالمية كلندن وباريس وغيرها في فترة زمنية وجيزة.
• الخطط الاستراتيجية: تحدد الخطط الاستراتيجية طويلة المدى مثل خطة دبي 2021 وخطة دبي 2030 أهدافا واضحة للتنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة يمكن قياسها ومتابعة تنفيذها بدقة.

مدن العالم النامي:
•اعتماد الرؤية المستقبلية: يحتاج القادة في دول العالم النامي إلى صياغة رؤية واضحة للتنمية والالتزام بتنفيذها، على أن تنبثق جميع خططها الاستراتيجية من هذه الرؤية.
• تطوير الخطط الإستراتيجية: صياغة وتنفيذ خطط إستراتيجية طويلة المدى، بناءا على رؤيتها المستقبلية، مصممة خصيصا لتناسب نقاط القوة والفرص الفريدة التي تتميز بها المدينة المعينة.


2-     التنويع الاقتصادي


دبي:
• الاقتصاد المتنوع: نجح نموذج دبي في تحويل الامارة من الاعتماد على النفط والتجارة فقط إلى اقتصاد متنوع يشمل قطاعات وأنشطة جديدة كالسياحة والعقارات والتمويل والطيران التي أصبحت هي القطاعات الرائدة لمسيرتها التنموية المستدامة.
• المناطق الحرة: تم إنشاء مناطق حرة (منطقة جبل علي) لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال صياغة وتنفيذ حوافز ضريبية وأنظمة واجراءات مبسطة.
مدن العالم النامي:
• تعزيز التنويع الاقتصادي: تحديد قطاعات متعددة تتجاوز الموارد التقليدية (مثل التكنولوجيا والسياحة والتصنيع) وتطويرها لتقود مسيرتها التنموية.
• إنشاء مناطق اقتصادية: إنشاء مناطق اقتصادية خاصة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتعزيز نمو الأعمال.


3-     تطوير البنية التحتية


دبي:
• بنية تحتية عالمية المستوى: استثمرت دبي بكثافة في النقل (مثل مترو دبي وشبكات الطرق الواسعة)، وقطاع الكهرباء والمياه والبنية التحتية الرقمية.
• مشاريع الاستدامة: دمج مشاريع الاستدامة في مشاريع البنية التحتية، مثل المباني الخضراء ووسائل النقل العام الفعالة.
مدن العالم النامي:
• الاستثمار في البنية التحتية: التركيز على تطوير وسائل النقل والمرافق والبنية التحتية الرقمية القوية لدعم الأنشطة الاقتصادية.
• التنمية المستدامة: تنفيذ السياسات المناسبة لدعم المشاريع الجديدة وذلك لضمان الاستمرارية والمرونة بنفس مستوى الكفاءة على المدى الطويل.


4-     السياحة والضيافة


دبي:
• مركز للسياحة العالمية: تطوير المعالم البارزة والفنادق الفاخرة كبرج خليفة وبرج العرب، وكذلك استضافة الأحداث العالمية (مثل معرض دبي إكسبو 2020) لجذب السياح من مختلف أنحاء العالم.
• التميز في الخدمة: التركيز على معايير الخدمة عالية الجودة في قطاع السياحة والتي تضاهي أرقى المعايير العالمية.


مدن العالم النامي:
• تعزيز العروض السياحية: الاستفادة من الأصول والموارد الثقافية والطبيعية والتاريخية الفريدة في تلك المدن لجذب السياح.
• تحسين معايير الخدمة: تدريب الموظفين وتأهيلهم كمرشدين سياسيين، وتحسين المرافق لتلبية معايير السياحة الدولية.

5-     الحوكمة والأطر التنظيمية


دبي:
• الحوكمة الفعالة: تبسيط الاجراءات والعمليات التنظيمية وتعزيز سهولة ممارسة الأعمال في جميع القطاعات والأنشطة، وبالأخص القطاعات والأنشطة الرائدة التي تقود مسيرتها التنموية المستدامة.
• الإصلاحات القانونية: أطر قانونية يتم تحديثها بانتظام لجذب الأعمال والشركات الدولية وضمان الاستقرار.

مدن العالم النامي:
• تعزيز الحوكمة: تبسيط العمليات البيروقراطية وتعزيز الشفافية لتشجيع العمليات التجارية.
• الإصلاحات القانونية والتنظيمية: تحديث القوانين لخلق بيئة مواتية للأعمال والاستثمار.

6-     الابتكار والتكنولوجيا


دبي:
• مبادرات المدن الذكية: الاستثمار في المشاريع القائمة على التكنولوجيا (مثل دبي الذكية) لتعزيز الحياة الحضرية والحوكمة.
• مراكز الابتكار: إنشاء مراكز وحاضنات الابتكار لدعم المؤسسات المتوسطة والصغيرة وشركات التكنولوجيا الناشئة.

مدن العالم النامي:
• تبني التكنولوجيا: تنفيذ حلول المدن الذكية لتحسين الخدمات العامة والإدارة الحضرية.
• دعم الابتكار: صياغة خطط واستراتيجيات فعالة لإنشاء حاضنات الأعمال وتقديم الدعم لرواد الأعمال والشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا.

7-     الشراكات الاستراتيجية بين القطاعين العام والخاص


دبي:
• المشاريع المشتركة: تعزيز الشراكات الاستراتيجية بين القطاعين العام والخاص للاستفادة من خبرات القطاع الخاص واستثماراته وتكوين شراكات مع شركات عالمية لجلب الاستثمار والابتكار.

مدن العالم النامي:
• تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص: تشجيع التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية والخدمات. والبحث عن شراكات مع الشركات العالمية للاستثمار ونقل المعرفة.


8-    التعليم وتنمية المهارات


دبي:
• الاستثمار في التعليم: الاستثمار في التعليم لخلق قوى عاملة وطنية ماهرة وقادرة على دعم وتسيير الأعمال في القطاعات الاقتصادية في المدينة.
• المؤسسات العالمية: استقطاب الجامعات ومراكز التدريب العالمية لإنشاء فروع لها في دبي.

مدن العالم النامي:
• الاستثمار في التعليم: تحسين البنية التحتية التعليمية ونوعيتها لبناء قوة عاملة ماهرة وقادرة على التكيف مع التطورات المستجدة.
• تشجيع التعاون الدولي: الشراكة مع المؤسسات التعليمية العالمية لتحسين التدريب وتطوير المناهج الدراسية.


خاتمة
يقدم نموذج دبي دروسا قيمة في استراتيجيات التنمية الناجحة، يتعين على مدن العالم النامي أن تعمل على تكييف هذه الدروس والاستراتيجيات مع سياقاتها الفريدة، آخذة في الاعتبار العوامل الثقافية والاقتصادية والاجتماعية المحلية. ومن خلال الرؤية المستقبلية للقيادة الحكيمة، والتخطيط الاستراتيجي، والالتزام بالتنمية المستدامة، يمكن لمدن العالم النامي أن تحقق تحول ونمو كبيرين، كما حدث لامارة دبي في فترة زمنية وجيزة.


دكتور/ ابراهيم كرسني
مستشار اقتصادي

د.إبراهيم كرسني

د.إبراهيم كرسني

مستشار إقتصادي

المزيد

مجالات الخبرة

  • السياسة العامة
  • قضايا التنمية
  • التخطيط الاقتصادي
  • القدرة التنافسية

تعليم

دكتوراه في الاقتصاد

السيرة الذاتية

تخرج الدكتور إبراهيم كرسني من جامعة الخرطوم حيث حصل على بكالوريوس في الاقتصاد مع مرتبة الشرف ومن ثم الدكتوراه في التنمية الاقتصادية من جامعة ليدز، بإنجلترا. وقد اكتسب خبرة بحثية واسعة في مختلف مجالات الدراسة بدءا من دراسات التنمية والتخطيط الاقتصادي ومشاكل التخلف الاقتصادي إلى إدارة الجودة الشاملة والقدرة التنافسية للدول.

تمتد خبرة الدكتور كرسني العملية على مدى أربعة عقود وتتراوح بين التدريس الجامعي، سواء على المستوى الجامعي أو على مستوى الدراسات العليا، والعمل في المنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والحكومات، على سبيل المثال، عمل مستشارا لوزارة الاقتصاد في مسقط بسلطنة عمان ومستشار التنمية الاقتصادية في الدائرة الاقتصادية بدبي، وكذلك في القطاع الخاص مع مركز دبي لبحوث السياسات العامة.

وقد كان أستاذ زائر وباحث في المؤسسات الأكاديمية ذات السمعة الطيبة؛ ومن أبرزها جامعة بيرغن، بالنرويج، والمعهد الاسكندنافي للدراسات الأفريقية، في أوبسالا، بالسويد، وأكاديمية العلوم الهنغارية، بودابست، المجر. كما نشر عددا من الدراسات في المجلات العلمية المتخصصة، وعمل في مجالس تحرير المجلات الأكاديمية في السودان والخارج؛ على سبيل المثال، مجلة استعراض الاقتصاد السياسي الأفريقي، التي تنشر في انكلترا. وقدم أيضا أوراق بحث مختلفة وشارك في عدد كبير من المؤتمرات والحلقات الدراسية وحلقات العمل الدولية ونشر أكثر من ستين مقال في المطبوعات اليومية فضلا عن ورقات بحث إلكترونية تغطي طائفة واسعة من المواضيع والقضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .

وسائل التواصل الاجتماعي

ikursany@bhuth.ae