يزور سمو الشيخ محمد بن زايد الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة باعتباره رئيساً لدولة الإمارات وهو ما يجعل الزيارة غاية في الأهمية من حيث المبدأ.
استراتيجية العلاقات:
لا شكّ أنّ تزامن وجود سموّه في واشنطن مع مرور خمسين عام على علاقات الصداقة بين البلدين، وقُبيل وقت قصير من الانتخابات الأمريكية في نوفمبر رسالة مباشرة لكون العلاقات بين دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية هي علاقات استراتيجية مؤسساتية لا ترتبط بشخص الرئيس الذي يشغل البيت الأبيض، كما لا يعيق تأسيس العلاقات الثنائية بين البلدين للخمسين عام المقبلة عدم ترشّح الرئيس الراهن، جو بايدن، للرئاسة بعد أن حلّت نائبته كامالا هاريس مكانه في السباق الرئاسي مرشحة عن الحزب الديمقراطي، أو احتمال عودة الرئيس السابق ترامب -وبالتالي الحزب الجمهوري- لسدّة الحكم.
الزيارة هي تجسيد لعلاقات مرّت بمراحل البناء والتوثيق واستدامة التصورات من خلال التجارب والمصالح الاستراتيجية المشتركة.
أهمية الشراكة مع الولايات المتحدة:
خلال زيارته، التقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد طلبة من دولة الإمارات يدرسون في جامعات أمريكية كما التقى رائدي الفضاء الإماراتيين، هزاع المنصوري ونورا المطروشي، تخرجا من "ناسا" لرواد الفضاء 2021 وتعتبر إنجازات الطلبة الإماراتيين في الولايات المتحدة وفي أرقى صروح العلم في العالم إنجاز ينعكس على قيادة الدولة وشعبها وتثبيت لأهمية استثمار الدولة في العلاقات مع الولايات المتحدة باعتبارها من الحلفاء الهامين في القطاع العلمي والتكنلوجي، رغم وجود شراكات أخرى، موازنة وغير مناقضة للشراكة الأمريكية، مع دول مثل الصين وهي من أّهم الرسائل المباشرة التي من المتوقع أنه تم بحثها خلال زيارة سموه لواشنطن.
أجندة دولة الإمارات للمستقبل تعتمد بشكل أساسي على الرّيادة في قطاع التكنلوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي وكل من يقوم بحضور المؤتمرات والمنتديات التي تستضيفها الدولة ومراكزها البحثية وعلى رأسها القمة العالمية للحكومات يلمس مركزية هذه القطاعات بشكل واضح بالنسبة لقيادات ووزراء الدولة، ما يجعل الاستثمارات التي تمتلكها الإمارات وتسعى لتعزيزها في الولايات المتحدة، حيث مركز تقدّم التكنلوجيا للأعوام الخمسين القادمة في العالم هو مسعى استراتيجي يقع في رأس أولويات الأجندة الحكومية وسمو الشيخ محمد بن زايد.
البيان المشترك الصادر بمناسبة الزيارة شمل استكشاف الفضاء والأمن السيبراني والتكنولوجيا والطاقة النظيفة، بالإضافة لسلاسل التوريد التي باتت نقطة ذات حساسية عالية منذ حقبة وباء كورونا الذي تسبب بتعطل سلاسل التوريد، ومن ثم الحرب الأوكرانية التي أدت لأزمة عالمية وارتفاع أسعار مواد غذائية مثل القمح والزيوت واحتاجت وساطة إقليمية لتجاوزها، ما يجعل موضوع الحفاظ على سلاسل التوريد أساسي بالنسبة لدولة الإمارات التي تعتبر ترابط العلاقات الاقتصادية واستقرارها جزء لا يتجزأ من ازدهارها ونجاح تجربتها والتي يتم تبنيها كنموذج يحتذى به على الصعيد الإقليمي.
السياسة الخارجية:
الإمارات شريك أساسي للولايات المتحدة في بناء مشهد أمني مستقر على المستويين الإقليمي والدولي وهو قاد الرئيس بايدن لإعلان دولة الإمارات "شريك دفاعي رئيسي" للولايات المتحدة وهو توصيف تتمتع به الهند فقط، ويعتبر إضافة لعلاقات تعاون عسكري وثيق بين البلدين وإعلان نوايا لتعزيز هذا التوجّه بين القوات المسلحة الأمريكية والإماراتية التي قاتلت في عمليات مشتركة ضمن عدة جبهات مثل أفغانستان والعراق والصومال بالإضافة للحرب الدولية ضد تنظيم داعش.
بذات الوقت تعتبر دولة الإمارات شريك في مبادرة الرئيس ترامب لبناء شرق أوسط جديد يعترف بإسرائيل كجزء منه من خلال الاتفاق الابراهيمي. ما يعني أنّ الدولة تمتلك مصلحة متعددة الجوانب على صعيد الأمن والاستقرار للحفاظ على نموذج الازدهار وضمان اتساعه إقليمياً وهذا يعني إنهاء الحرب في غزة ومنع حرب في لبنان، كما تمتلك مصلحة في نجاح تجربة الاتفاق الابراهيمي من خلال استثمار العلاقة مع إسرائيل والولايات المتحدة للتوصل لاتفاق يوقف الحرب في غزة، والأهم صياغة مسار يمنع عودة انفجار المواجهات العسكرية بين الفلسطينيين والاسرائيليين سواء أكانت حماس أو أي فصيل عسكري جديد قد يطرأ بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي وهذا يعني دعم دولة فلسطينية تضمن حياة كريمة غير مهدّدة بالحروب أو الاعتقال أو الفصل العنصري، واقتصاد مُستقر مُندمج بهويته الفلسطينية ومدعوم من محيطه العربي.
خلال لقائهم من المتوقع أنّ سمو الشيخ محمد بن زايد بحثَ هذه التوجهات مع الرئيس جو بايدن وأنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، وجيك سوليفان مستشار الأمن القومي بوجود سمو الشيخ طحنون بن زايد نائب حاكم إمارة أبوظبي والشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية حيث أبدت دولة الإمارات سابقاً استعدادها للعب دور في "اليوم التالي" للحرب في غزة ومن المتوقع أن توسيع إسرائيل عملياتها باتجاه لبنان أدى لنقاشات بين القيادات لبحث سبُل وقف المخاطر الأمنية الدقيقة التي يواجهها الشرق الأوسط ومُجمل أجندة السّلام الإقليمي والتسامح وتقبّل الآخر سواء المتعلقة بإسرائيل أو بإيران أو بإنهاء ملفات نزاعات أخرى مثل اليمن أو السودان باعتبار أنّ حالة عدم الاستقرار تنتقل بعدوى سريعة وتتأثر بعضها البعض، وهذا يمكن أن يعني حروب جديدة لم تستعِر بعد وخصوصاً في أفريقيا وموجة لجوء جديدة تزيد من صعود اليمين في أوروبا.
الشرق الأوسط قد يكون قضية تمسّ أمن الدول العربية والإقليمية مثل إيران وتركيا لكنه أيضاً ملف يؤثّر في مصالح الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تستطع حتى الآن الضغط على نتنياهو لوقف الحرب في غزة أو حتى لمنع توسيعها، في الوقت الذي تستمر فيه حرب أوكرانيا إلى ما لانهاية وهو ما يؤثّر لا محال على مقاربة المواطن الأمريكي لمستقبله سواء من حيث الاقتصاد أو الأمن الداخلي.
أثر إزمان هذه الحروب على حلفاء الولايات المتحدة في الخليج وأوروبا هو أثر استراتيجي مُمتدّ وسيخلّف تداعيات خطيرة على صورة السياسة الأمريكية في الساحة الدولية ومدى التزام مؤسساتها في فرض القانون الدولي في ظلّ مظاهر الموت والنزوح الجماعي المستمرة.
الأهمية الاستراتيجية للشراكة بين دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية تبلورت بإنجازات وصلت إلى الفضاء، وتحقيق مشاريع سياسية بدت مستحيلة، ولا شكّ أنّ زيارة سمو الشيخ محمد بن زايد تسعى لتحقيق المستحيل مرات جديدة للخمسين عام القادمة والتي تبدأ بالسّلام.