الخميس, 21 نوفمبر, 2024

ايران وارتباطها بالقاعدة

نشر وثائق أسامة بن لادن التي تم ضبطها في باكستان يكشف وجود علاقة وثيقة بين تنظيم القاعدة وإيران


في تحول مثير في قصة معقدة بالفعل فإنه يُزعم أن المنقذ غير المحتمل لتنظيم القاعدة هو إيران والذي شرع فيما يبدو في ما يوصف بانه اتفاق رائع مع الدولة الشيعية. وأشار مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مايك بومبيو إلى أن الاتفاق بين تنظيم القاعدة وإيران كان "سراً مكشوفاً" خلال فترة إدارة أوباما التي فشلت في اتخاذ إجراء.

ربما يلفت بعض المحللين والمؤرخين إلى بعض التشابه بينه وبين اتفاق مولوتوف- ريبينتروب والذي يُعرف أيضاً باسم اتفاق عدم الاعتداء بين الألمان والسوفيت وهو اتفاق حياد بين ألمانيا النازية والاتحاد السوفيتي الذي تم توقيعه في موسكو في الثالث والعشرين من أغسطس عام 1939 من قبل وزيري الخارجية جوشيم ريبينتروفياتشيلاسف مولوتوف. وعلى الرغم من أن إيران أو القاعدة لم يتراجعا عن الاتفاق كما فعل النازيون في عام 1941 ولكن ليس بعيداً أن ينقلب أحدهما على الآخر عندما لا يتوقع حدوث هذا.

وقد استخدم الرئيس ترامب هذا الرابط المزعوم لتبرير نيته إلغاء الاتفاق النووي الإيراني الذي يشعر أنه غير مقبول تماماً إلا أنه يواجه ما يمكن وصفه بأنه "معارضة أوروبية كبيرة لهذه الخطوة". وقد برزت مزاعم وجود روابط بين تنظيم القاعدة وإيران بعد أن كشفت الغارة الأمريكية على منزل أسامة بن لادن عن وثائق أكدت من بين أدلة أخرى على "مفاوضات بين تنظيم القاعدة والحرس الثوري في طهران قد تطرقت إلى تمويل وتسليح الجماعة الإرهابية السنية حتى تتمكن من ضرب أهداف أمريكية".

وعلى ضوء الأدلة الجديدة والمقابلات التي تم إجراؤها مع كبار أعضاء تنظيم القاعدة وعائلة أسامة بن لادن خلال السنوات الخمس الماضية فإن هذا الرابط الذي كثيراً ما تم تم استبعاده في الماضي يبدو أنه يكتسب مصداقية. ويبين التقرير الأنشطة السرية للعديد من العملاء وتورط الولايات المتحدة المزعوم. ويحدد دور عنصر تنظيم القاعدة محفوظ بن الوليد في عام 2001 والذي يبدو أنه توسط في الصفقة لدعم وتدريب الجماعة وتوفير ملاذ لأعضائها وعائلاتهم في إيران.

فتنظيم القاعدة الذي كانت قوته 400 فقط عندما سقط البرجان وتضرر من الغزو الأمريكي لأفغانستان ومن ثم طغيان تنظيم داعش عليه في وقت لاحق ومع انقسام قيادته الآن بين إيران وباكستان وسوريا قد قام سراً بإعادة بناء نفسه إلى درجة قدرته على دعوة عشرات الآلاف من جنوده القدامى. وبامتزاجه مع القوات المعادية للأسد والحد من طلاقته والتخفيف من الهمجية التي ارتبطت به خلال سنوات الزرقاوي فإن تنظيم القاعدة المتحالف والمُدرب والمجهز على يد حزب الله وقوة القدس هو نموذج للكيفية التي ربما يتطور بها.

وقال العديد من المحللين إن تنظيم القاعدة هو منظمة كان يُرجح بقاؤها وتستفيد بالفعل من زوال تنظيم داعش الأكثر تهوراً ويبدو أن اتصالها الخطير مع إيران لا يزال يثمر كثيراً. وقد شهدت الحرب الكلامية المسترمة بين طهران والرياض استمرار قيادة إيران للترويج لفكرة أن السعودية تدعم التطرف الإسلامي وأشارت إلى أنها تساند عمداً الجماعات التكفيرية مثل تنظيم داعش والقاعدة لتنفيذ أجندتها السياسية الخاصة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الإيراني:" إن هذا الاستخدام التكتيكي للإرهاب من قبل لاعبين اقليميين ودوليين هو لعبة استراتيجية سيكون لها تداعيات استراتيجية طويلة المدى".

وكانت إيران منخرطة لبعض الوقت في هذه السياسة التي كانت تستغل تعميق العداء بين البلدين في محاولة لتحويل الخطاب الغربي المناهض لإيران منذ فترة طويلة ورسم السعودية على أنها الداعم الرئيسي للإرهاب في المنطقة وليست إيران. وقد اكتسبت السياسة الإيرانية بعض الجذب لبعض الوقت وخاصة مع استمرار الحرب في اليمن وتعمق الأزمة الإنسانية. وفي خطوة تشير إلى أن تحولاً في الدعم الغربي الغريزي للسعودية ربما يحدث جازف بعض السياسيين الغربيين في كل من الولايات المتحدة واوروبا بانتقاد السعوديين كممولين وداعمين للإرهاب والتطرف الإسلامي. وسعت إيران إلى تكثيف هذا الخرق في محاولة لتحقيق ميزة سياسية ودبلوماسية على ما يبدو برود في حماس أمريكا وأروبا للسعودية ولبقية الدول الخليجية إلى حد ما. إلا أن وصول الرئيس دونالد ترامب قد أدى إلى تراجع بعض المكاسب التي حققها أولئك الذين كانوا يرغبون في عزل المملكة بالتوقيع على عقد أسلحة بقيمة مليارات الدولارات بعد وقت قصير من تنصيبه. ومن المعلوم أن الرياض كانت قد دعمت جماعات متمردة معينة في الحرب في سوريا بعضها جماعات متطرفة إلا أنها كانت تقاتل عدواً مشتركاً وهو داعش وقد تم تجاهل هذا إلى حد كبير ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى أن واشنطن كانت تقدم دعماً مماثلاً لما تصفها بالجماعات المتمردة المعتدلة.

وقد كشف النشر الأخير لآلاف الوثائق الخاصة بتنظيم القاعدة من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والتي تم ضبطها خلال الغارة على مقر أسامة بن لادن في أبوت أباد في باكستان عن بعض الجوانب المثيرة للاهتمام للطبيعة الحقيقية لعلاقة تنظيم القاعدة بإيران ودور إدارة أوباما المثير للقلق والتي تم اتهامها "بتسييس المخابرات".

والسؤال الذي كثيراً ما يتم طرحه هو "لماذا لم يرد الرئيس أوباما نشر هذه المادة؟" والإجابة بسيطة إلى حد ما وهي أن أي ارتباط بين تنظيم القاعدة وإيران كان من شانه إخراج الاتفاق النووي عن مساره. فالاتفاق الذي يصفه المحلل كليفورد ماي بأنه "موافقته على تزويد طهران بالشرعية ومليارات الدولارات بينما يتجاهل برنامج الصواريخ الباليستية الخاص بها, مواصلة رعايتها للإرهاب والانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان, كل ذلك في مقابل وعد النظام بتأجيل برنامج الأسلحة النووية الذي تنفي وجوده. فالعديد من مراكز الأبحاث والباحثين والصحفيين وصناع القرار والمشرعين والعامة ووسائل الإعلام تريد نشر جميع الوثائق إلا أن هذا لم يحدث. وأشار رئيس تحرير ويكلي ستاندرد ستيفن هايز إلى أحد الأعمال الأخيرة التي قامت بها إدارة أوباما هو إصدار بيان صحفي بعنوان :"إغلاق الكتاب عن بن لادن: مجتمع المخابرات ينشر وثائق أبوت أباد الأخيرة". وفي الواقع قامت إدارة أوباما بنشر 571 وثيقة فقط من أصل عشرات الآلاف من الوثائق والملفات المحتملة. وتم نشر هذه الوثائق المنتقاة بعناية للعلن فقط لأن قانون تفويض المخابرات الوطني لعام 2014 أجبر يد يد مدير المخابرات الوطنية بإدارة أوباما ستيفن هايز والذي قال:"هذا هو ما يبدو عليه تسييس المخابرات".

وتعني حقيقة أنه تم أخيراً نشر الوثائق من قبل مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مايك بومبيو أن الإيرانيين قد تم كشفهم على أنهم على علاقة وثيقة بتنظيم القاعدة. فقد ظل وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف وأولئك الغربيين من المعتذرين للنظام يروجون لإيران كدولة طبيعية وتقدمية حريصة على الاستقرار الإقليمي ومحاربة الإرهاب وتصر على حقها في الدفاع عن نفسها. وتروي الوثائق التي تم الكشف عنها قصة مختلفة تماماً مما يؤكد ما كان يشتبه فيه العديد من المحللين لسنوات بأن تنظيم القاعدة وجمهورية إيران الإسلامية ليسوا أعداءاً كمتنافسين. وعلى الرغم من اختلافهما العقائدي العميق حيث أن تنظيم القاعدة سني وملالي إيران شيعة إلا أنهما أقاما رابطاً مشتركاً. فعلى مدى 1400 سنة لم أية عملية سلام الانقسام بين هاتين القراءتين للإسلام فلماذا الآن؟

فالعلاقة غير المحتملة التي كان يُشتبه بها ولكن يتم إثباتها سابقاً تكشف أن تنظيم القاعدة والثيوقراطيين في طهران يستطيعون التعاون والتوطؤ. فلماذا عقدت المجموعتان اللتان لديهما خلافات عقائدية ميثاقاً؟ ويؤكد السيد ماي أن كلاهما يعتقد أن لديه واجب ديني بشن جهاد ضد "الكفار" وبطبيعة الحال فإن الأمريكيين (الشيطان الأكبر) والإسرائيليين (الشيطان الأصغر) هما على رأس قائمتهما.
وينتهي نهج السيد ماي القوي بالإشارة إلى ملحوظة في يوميات أسامة بن لادن والتي يشيد فيها بقناة الجزيرة، المنفذ الإخباري والدعائي القطري. ولعله يلمح إلى دعم قطر العلني لجماعة الأخوان المسلمين وغيرها من الجماعات المارقة الأخرى. ويشير بن لادن أيضاً في مذكراته إلى جماعة الأخوان المسلمين وكيف أنها "أثرت على رؤيته للعالم وقادته إلى تكريس حياته للجهاد. وربما يرى بعض المراقبين ظان السيد ماي يوجه القارئ إلى النظر إلى هذه الدول التي تدعم الأخوان المسلمين على ضوء مختلف تماماً.