بالتأكيد مثل هذه التكتلات تمتلك ثقل وتأثير سياسي على الشخصيات المحيطة بالرئيس، والذين يمتلكون بدورهم القدرة على تقديم استشارات قد تميل لهذا الطرف أو ذاك بحسب القناعة التي توصل لها كل من المستشارين المعنيين بملف الشرق الأوسط، لكن حتى هؤلاء المستشارين يأخذون مصالح بلادهم بعين الاعتبار، مما يعني أنّ العلاقة مع دول الخليج تبقى استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية للعديد من الأسباب؛ أولاً حتى وإن طغت أهمية احتواء صعود الصين على شؤون الشرق الأوسط فإنّ أي استراتيجية بهذا الشأن ستحتاج لدور الشركاء في الخليج، باعتبار أنّ الصين تستورد نفطها من المنطقة، كما تصدر بضائعها عبر الممرات البحرية للمنطقة باتجاه القارة الأوروبية والأفريقية، مما يعني أنّ ترك منطقة الخليج والابتعاد عن الشريك الخليجي سيعني دور متعاظم للصين التي تمتلك مصلحة في الحفاظ على الوضع الراهن المفيد لأعمالها واقتصادها. بهذا المعنى ومهما ابتعدت الولايات المتحدة فيزيائياً عن الشرق الأوسط فلا شكّ أنّ مصالحها ستعيدها إليه في كلّ مرة.
ثانياً، كشفت الأحداث الإرهابية في باريس وفيينا أنّ هناك حاجة ماسّة لاستكمال الحرب على الإرهاب والتطرّف في العالم، كما أنّ هناك حاجة مساوية بأهميتها لتثقيف “الآخر” بالتعاليم السّمحة والمسالمة للإسلام والبعيدة عن استهداف المدنيين وارتكاب أعمال بشعة كهذه. “الآخر” مع الأسف هم من النّخبة الغربية التي لم تعرف كيف تتعامل مع الحدث الإرهابي وزادت الوضع سوءاً، بالإضافة لذلك فإنّ استثمار الرئيس التركي للعملية الإرهابية للتهجّم على الرئيس ماكرون بسبب وجود خلافات بين الزعيمين على سياسات شرق المتوسط قد أثبتت أهميّة الدور المتوازن الذي تلعبه دول الخليج في تعاطيها مع مثل هذه المواقف، فالأصح أن يتم انتقاد المواقف المسيئة مع الابتعاد عن التجييش. لم تقم أي من دول الخليج بما فيها السعودية بموقعها الهامّ في العالم الإسلامي باستخدام هذا الموقع لفرض مواقف سياسية، بينما حاول الرئيس إردوغان في ترويجه للعثمانية الجديدة إثارة الفوضى باستخدام الإسلام لتقديم نفسه كزعيم في العالم الإسلامي، هذا الأسلوب ليس هو الشريك الذي تحتاجه الولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب أو الفكر المتطرّف، فمن السّهل إثارة الفوضى باسم الدّين وبيع الأجندات باسم الدين، لكن من الصعب جداً الحفاظ على الاستقرار وبناء التسامح الديني، وهي الأجندة التي تعمل عليها كل من الامارات والسعودية مما يجعلها شريك لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة للولايات المتحدة، وذلك بصرف النّظر عن كمية النفط الذي تستورده الولايات المتحدة من الخليج، وبصرف النّظر عن انتقال ثقل المخاطر المهدّدة للمصالح الأمريكية باتجاه شرق آسيا، وبصرف النظر أيضاً عن الاستراتيجية التي سيتم تبنّيها للتعامل مع التهديد الإيراني النووي أو التوسّعي فقد أثبتت التجربة أنّ العمل المنفرد فاشل وأنّ سياسة فرض الإرادة لا تتّسق مع معطيات الأمور على أرض الواقع، ولذلك لا شكّ أنّ شخصية ذات خبرة مثل الرئيس المنتخب جو بايدن تمتلك المعرفة والسياق التاريخي اللّازم لاتخاذ القرار السّليم وسيجد الرئيس بايدن دول الخليج كما كانوا دائماً حليفاً استراتيجياً مباشراً، غير موارب وبعيد عن الابتزاز للولايات المتحدة الامريكية.
الأيديولوجيا اللّيبرالية أيديولوجيا تقوم على بناء الشراكات والتّوصل لتوافقات بين اللّاعبين الدوليين، هي أيديولوجيا تؤمن بالمؤسسات كطريق لفضّ النزاعات واختيار طريق السّلمي لحلّ أي خلاف بين الدول، وجو بايدن هو ابن هذه المدرسة ومن المُستبعد أن يَحيد عن مُثُلها العليا.