السبت, 23 نوفمبر, 2024

قراءة حول مخرجات قمة جدة... وإعلان جدة

على الرغم من الطموحات الكبيرة ، شهدت قمة الجزائر العربية تقدمًا محدودًا بسبب القضايا الإقليمية المعقدة. ومع ذلك ، سلطت قمة جدة الضوء على أهمية التنمية المستدامة والشراكات الاستراتيجية في المنطقة العربية.


خلال القمة العربية السابقة التي عقدت في الجزائر، مطلع نوفمبر الماضي، وضعت الجزائر سقفاً عالياً لإمكانية تحقيق منجزات سياسية في حقل من الأزمات العربية، وحلحلة بعض القضايا العالقة في الساحة العربية، لكن عوامل كثيرة لم تساعد على تحقيق تقدم في كثير من الملفات، بسبب تعقيدات الوضع العربي، وكذا ضعف آليات العمل العربي المشترك.
كُتِب عن قمة جدة الأخيرة وسيُكتب الكثير، حيث أشار عبدالوهاب بدرخان في مقاله ( قمة جدة : التنمية المستدامة بالخط العريض ) إلي أن أكثر من نص بنود إعلان جدة قد ركزت على مختلف جوانب التنمية المستدامة، بلغة قد تبدو جديدة على القمم العربية، غير أننا سننظر وبنوع من التركيز، وربما بنوع من الأمل والتفاؤل، إلي أهم ما جاء من وجهة نظرنا في البيان الختامي للقمة، والخاصة بـ مبادرة الحاضنة الفكرية للبحوث والدراسات في الاستدامة والتنمية الاقتصادية، والتي من شأنها احتضان التوجهات والأفكار الجديدة في مجال التنمية المستدامة وتسليط الضوء على أهمية مبادرات التنمية المستدامة في المنطقة العربية لتعزيز الاهتمام المشترك ومتعدد الأطراف بالتعاون البحثي وإبرام شراكات استراتيجية.


لماذا التركيز هنا؟
لأنها تشير من جهة إلي أن المبادرة ترد الاعتبار للاقتصاد، وهو من يحدد مستقبل الامة، ويمكن أن نعزو هذا التوجه السعودي إلي عدة أمور، من أبرزها، كما يقول محللين، امتلاكها لمشروع وطني عملاق يتمثل برؤية 2030، وهو في الشكل اقتصادي تحاول من خلاله المملكة تنويع مصادرها للدخل، لكنه في الحقيقة مشروع اقتصادي سياسي اجتماعي، وهناك ربما نوع من القناعة لدي السعودية بأن نجاح مشروعها الوطني سيتوقف على درجة من الاستقرار الإقليمي في المنطقة، سواء في مجالات الأمن والدفاع أو في مجالات التعاون التجاري والاستثماري والتنموي، وخصوصاً فيما يتعلق بالتنمية المستدامة بأبعادها المختلفة، والذي قد يشهد جهداً سعودياً  في هذا الاتجاه خلال سنة رئاسة المملكة للقمة العربية.
ويمكن القول بأن هناك نوع من الذكاء في استعارة المبادرة لفكرة الحاضنة أو الحاوية من قطاع الأعمال، والتي شهدت نجاحاً فيه حيث تعرف على أنها مجموعة من البرامج التي تعدها الحكومة، أو تحالف أعمال، أو مجموعة أكاديمية تتضمن تدريبا وخدمات متنوعة. والهدف من ذلك مساعدة الشركات الصغيرة الموجودة في الحاضنة لتحصل على فرصة أفضل للبقاء على قيد الحياة أثناء مرحلة البداية.
وتستطيع من خلال إنشاء منظومة للبحث العلمي وتطويرها أن تواكب التطورات التي تنشأ في بيئة الأعمال، والتي بدورها تمثل الأسلوب المثالي لتكوين وصناعة العلماء والباحثين والمفكرين الذين يمكن عبر مشاركتهم، وبالأخص من خلال الحاويات الفكرية، إلي إنتاج كوادر علمية متخصصة لتخدم مختلف قضايا التنمية، والعمل على إحداث نقلة نوعية في الدراسات المختلفة تكون محور ومرتكز أساسي للتقدم والتنمية المستدامة المنشودة.
الظروف مواتية لتعظيم البحث العلمي والانطلاق نحو عالم جديد من خلال رؤية مستقبلية واضحة، عبر إعطاء الأولوية للتنمة العلمية التي أصبحت بالضرورة هي الدعامة الأساسية للتنمية الاقتصادية.
 

تطور العلوم والبحث في الدولة...
أثبتت دولة الإمارات العربية المتحدة، أن تطورها وتقدمها لا ينفصل عن المبادرات المتواصلة التي تطلقها لتحقيق المزيد من التنمية والتقدم، التي لا تقف طموحاتها عند حد.
وكجزء من رؤيتها لتصبح واحدة من أكثر الدول إنتاجاً للعلوم والمعرفة، نفذت الإمارات العديد من المبادرات والاستثمارات، ومن تجلياتها إنشاء وزارة الذكاء الاصطناعي، وبرنامج الذكاء الاصطناعي، وهي استراتيجية طموحة في هذا المجال ضمن أجندة العلوم المتقدمة 2031، وأطلقت في 2018، منصة الإمارات للمختبرات العلمية التي تعمل على ربط (6) مختبرات في الدولة بالعلماء والخبراء بهدف تعزيز مجهود البحث العلمي المحلي، ودعم الباحثين والأكاديميين، وتطوير القدرات العلمية والتكنولوجية.
كما رسّخت الدولة نفسها مختبراً علمياً مفتوحاً، ومنصة إقليمية وعالمية للبحث العلمي وتطبيق مخرجاته في خدمة الإنسان، أبرزها: استقطاب الطلبة المتميزين والكوادر الأكاديمية المتميزة وتقديم الدعم المادي والمخصصات اللازمة للبحوث وتعزيز التعاون بين أجهزة الدولة والجامعات والاهتمام بإنشاء مختبرات ومكتبات علمية، ومساهمة القطاع الخاص في دعم البحث العلمي وإنشاء مؤسسة تعنى بدعم البحث العلمي.
مستقبل البحث العلمي والتنمية المستدامة على مستوى الدول العربية
بانعقاد قمة جدة بعد أقل من سبعة شهور على قمة الجزائر، يبدو واضحاً أن قطار القمة قد عاد إلى قضبانه، والأكثر من هذا أن عاهل البحرين في كلمته أمام القمة حرص على أن يؤكد التزام بلاده بانعقاد القمة في البحرين عام 2024، كما حرص رئيس وزراء العراق في كلمته على أن يؤكد التزام العراق باستضافة قمة 2025، وهو ما يؤكد الاطمئنان لمستقبل انتظام انعقاد القمم العربية.
ومن جهة أخري، فقد شهدت القمم العربية إلي الآن (4) قمم ذات طابع اقتصادي، وهناك القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية الخامسة من المقرر أن تُعقد في موريتانيا لاحقاً هذا العام، وهو الأمر الذي يتطلب أن يتم التنسيق حيال محدودية الفاعلية في متابعة قرارات القمم العربية، وبالأخص حول المبادرات الأخيرة المعلنة، بحيث لا تكون مجرد بنودٍ في إعلان، وإنما يتم تجسيدها على أرض الواقع، وأن تكون مرتبطة بآليات تنفيذية واضحة.
وهو الأمر الذي قد يشجعنا هنا في الإمارات لبدء الاستعداد من الآن، على ضوء تكريس عام 2023 للاستدامة، تحت شعار "اليوم للغد"، إلي تبنى طلب قمة عربية تنموية سادسة في المستقبل القريب على أن يكون محورها اقتصادي.
وعلى الصعيد البحثي، لما لا يكون هناك رفع للسقف والطموح، وأن يكون هناك تطوير لـمبادرة الحاضنة الفكرية للبحوث والدراسات وإعلان / أو إنشاء قمة عربية أو مجلس عربي أو لجنة نوعية متخصصة معنية بشؤون البحث العلمي.
 

ألماس بالعبيدة

ألماس بالعبيدة

باحث زائر - برنامج القيادات البحثية

المزيد

Non-resident fellow specializing in international affairs