بعد مقتل الرئيس السابق علي صالح أكدت الحركة الحوثية أنها القوة الفعلية داخل صنعاء وضواحيها التي تمتد إلى أرحب، بني حشيش، الحيمة، بلاد الروس، بني مطر، سنحان، همدان وحتى خولان مما يعني أن التحالف بما في ذلك الحكومة الشرعية اليمنية أضحى يواجه عدواً وحيداً بعد سقوط كفة المؤتمر الشعبي العام وإن كانت خسارته للكفة الثانية من الميزان منعت تأرجحه يميناً ويساراً وأكدت انه قد يضحى أقوى وأكثر ثباتاً في الأيام القادمة وهذا يعني أن الحوثيين قد ملكوا زمام الأمر داخل صنعاء كما يعني انتفاء أية عقبات لتطبيق أجنداتهم السياسية، الاجتماعية، والدينية. ولكن هل يملك الحوثيون الحاضنة الشعبية داخل صنعاء لتمرير مثل هذه الأجندات؟
الحشود الشعبية العارمة التي خرجت تحي الحوثي في شمال صنعاء بعد موت صالح لقضائه على الخيانة وحماية البلاد من العدوان لم يتناقص عددها بل قد يكون قد ازداد بعد انضمام موالين صالح للحوثيين وتغير اسم حاكم صنعاء من لقب الزعيم الذي كان يميز صالح طوال عقود طويلة إلى لقب السيد عبد الملك الحوثي وإن كان الأخير ليس زعيماً سياسياً فحسب وإنما والأهم من ذلك هو زعيم ديني يمثل التوجه الايديولوجي للحوثيين الذي يصب في بوتقة الإمامة الاثنى عشرية ويشكل أحد أعمدة إيران في المنطقة إلى جانب حزب الله في لبنان، الحشد الشعبي في العراق، والنظام السوري .
ليس هناك جدال في كون الحوثيون يشكلون حليفاً لإيران داخل اليمن وهذا الحليف غُرست بذوره الأولى في مدينة قم في إيران حينما كان بدر الدين الحوثي مؤسس الحركة الدينية يتلقى تعاليم النهج الاثنى عشري وينقله إلى صعدة تدريجياً ثم بدأ التأسيسي السياسي والعسكري للحركة على يد حسين بدر الدين الحوثي والذي حولها من مجرد حركة دينية إلى توجه شعبي وتنظيم سياسي وميليشيا عسكرية. لتغدو الحركة الحوثية على يده دولة داخل دولة حتى وإن تحددت حدودها في البداية داخل صعدة نفسها. بل إن حسين بدر الدين الحوثي شكل نموذجاً للحكم السياسي الذي يحوى هيكل تنظيمي على المستويين السياسي والعسكري يبدأ من القائد السيد ثم القيادات العليا المتمثلة في المجلس السياسي ثم القيادات الوسطى المتمثلة في القيادات الميدانية الأعلى ويمثلها حالياً أبو علي الحاكم ثم القيادات الأدنى منها المتواجدة فعلياً في ميادين القتال وتستلم التوجيهات من الأعلى وينتهي الهيكل بالموالين. فهو تنظيم هرمي يحاكي إلى درجة كبيرة في تقسيماته التنظيمات الشيعية في المنطقة وأبرزها تنظيم حزب الله وإن كان الأخير قد استطاع منذ تأسيسه في 1982 أن يؤطر تأطيراً دقيقاً لهيكله التنظيمي بحيث يجمع جميع شؤون المجتمع في مختلف فئاته ووظائفه الاجتماعية. مما يعني أن في نطاق الحركة الحوثية فالأوامر لا تأتي إلا من القمة ويتم التنفيذ الفوري عبر القيادات المختلفة. فلا يوجد تفكك في القيادة أو التوجيه حيث تتميز جماعة الحوثيين بالتماسك الشديد الذي يحكمه التوجه العقائدي أكثر من أي شيء آخر. كما أن ما يوجه في الداخل من تعليمات وأوامر تصدرها القيادة العليا هي من تحدد التوجهات السياسية والعسكرية في ظل فهم خصوصية الواقع اليمني الشديدة. وهذه الخصوصية لا يعلم بتفاصيلها وأبعادها حلفاء الحركة في المنطقة أو الحليف الأساسي في طهران لذا من الصعب أن يتم التوجيه من قبل الحلفاء في نطاق الداخل اليمني الذي يجهلون إلى حد كبير بواطنه. ولكن الحلفاء قد يوجهون التحرك الحوثي خارج اليمن خصوصاً في تحديد وجهة الصواريخ الباليستية أو التحركات المريبة في نطاق البحر الأحمر. وهم يعملون على توفير الدعم لتنفيذ هذه الأوامر على النطاقين سواء توجهات الحوثيين الداخلية أو الخارجية ويقومون به بشكل متكامل إما عبر تقديم الدعم المادي أو المعلومات أو توفير المعونات اللوجسيتية من تدريب وتأهيل، توفير التقنيات والمعدات العسكرية والخبراء والاستشاريين. مما يعني أن استقلالية القرار السياسي والعسكري قائمة لدى الحوثيين على النطاق المحلي وهو ما اتضح في العديد من الأحداث الماضية التي تخللت الصراع اليمني حيث أن إيران لم تؤيدهم في التوجه العسكري لاحتلال الجنوب الذي شكل طعنة قوية في الجسد الحوثي انهكت قواه إلى حد كبير ولا يزال يعاني منها حتى الآن. كما أن إيران لم تكن معهم بالكامل في تحالفهم الغامض مع علي صالح والذي انتهى نهاية مأساوية راح ضحيتها صالح نفسه مع العديد من الجنود من الجانبين.
لذا فإن توجه الحوثيين ما بعد موت صالح داخل صنعاء تحديداً وفي نطاق جبهات القتال داخل اليمن سيكون خاص بهم في الأيام القادمة ولكن الدعم الشيعي متعدد الأطراف سيستمر ما دامت الحركة حية وغير منكسرة. وهذا قد يعني إحكام المربع الشيعي ما بين صنعاء والمراكز الشيعية في المنطقة والذي يتمثل في إطار علاقات تحالفية أولية وغير مكتملة ما بين فاعلين حكوميين وغير حكوميين. ولكن مع سيطرة الحوثيين على جميع السلطات في صنعاء والتطورات المحتملة في إعلان حكومة جديدة من المحتمل أن تتحول التحالفات إلى تحالفات على مستوى حكومات وليس كيانات حزبية أو ميليشيا عسكرية وهذا ما سيجعل الحركة الحوثية تدعي أنها تملك صفة الحكومة الشرعية ويقود إلى تصعيد التوتر داخل اليمن خصوصاً لو تم الاعتراف من قبل أطراف خارجية بهذه الحكومة والتعامل معها كهيئة رسمية.
إن التوجه الحوثي بعد موت صالح لن يكون هو توجه حكومة الشراكة ما بين المؤتمر الشعبي العام والحوثيين مما يعني إعادة النظر في مكونات الحكومة وعناصر المجلس السياسي. إن حكم صالح طوال عقود طويلة قاربت الأربعين عاماً كان قائماً على توزيع المصالح وإرضاء العديد من الأطراف مادياً بما فيهم القبائل والرموز الدينية سواء السنية أو الزيدية وإن كان قد اصطدم بعد الوحدة بتوجهات الواقع الجنوبي الذي رفض حكم الزعيم الأوحد إضافة إلى تصادم المصالح الاقتصادية إلى حد كبير. ولكن صالح استطاع أن يستمر في استخدام سياسة الترضية السياسية والمالية للعديد من القيادات الجنوبية لتجاوز الصدام وإن كانت ترضية وقتية لم تنجح على المدى الطويل في تأكيد الاستقرار داخل اليمن. كما أن تلك السياسة بدأت تفقد جاذبيتها مع المحافظات الشمالية بعد اندلاع انتفاضة 2011 الشعبية التي شكلت تحرك شعبي غير معهود في تلك المناطق استغل قيادته وتوجيهه قوى سياسية مختلفة على رأسها حزب الإصلاح ولكن تم التوجيه بشكل خاطئ لتحقيق مصالح حزبية مما أفقد الانتفاضة في المحافظات الشمالية قوتها وأدى إلى تدهور الأوضاع في اليمن بشكل عام.
العودة إلى الحكم الأوحد داخل صنعاء من قبل الحوثيين هذه المرة قد يختلف في نهجه وتوجهاته عن ما سبقه ولكن الشعب نفسه لم يتغير. والشعب هو الورقة الرابحة لإنقاذ اليمن من ديكتاتورية دينية قادمة يقودها الحوثيون