الثلاثاء, 16 أبريل, 2024

الإمارات تسعى للقضاء على القاعدة في اليمن

المناورات السريعة والمتتالية التي تقودها القوات الإماراتية حالياً في محافظة أبين ومن قبلها في محافظة شبوة في اليمن للتخلص من القاعدة جاءت بعد ضربة قوية لفرع التنظيم في حضرموت في نطاق حملة إماراتية للقضاء على تنظيم القاعدة في جنوب اليمن . لكن المحطات الأولى من الحملة سواء في حضرموت أو شبوة لم تنتهي بعد. فلا تزال المحافظتان تعانين من تنظيم القاعدة ولا ينوي التنظيم في الوقت الحالي مغادرة هاتين المحافظتين أو وقف القتال.


تنظيم القاعدة لم يختف تماما من حضرموت وتكرار نفس العملية في شبوة أو أبين يعد جزءاً أساسياً من الحملة العسكرية للتخلص من عناصر التنظيم ولكن الحملة أدت إلى هروب العديد من العناصر الإرهابية للاحتماء والبحث عن مأوى وهذا يعني أن الهاربين قد يعودون إلى محافظة حضرموت المجاورة لإعادة تأسيس نواة كيان جديد يلتزم بأيديولوجية القاعدة في شبه الجزيرة العربية وهو ما يشير إلى أن الحملة العسكرية لوحدها ليست كافية ولابد من إجراءات إضافية لمحاصرة عناصر التنظيم.

تجربة الإمارات في القضاء على القاعدة في حضرموت قد تعد تجربة رائدة في مواجهة تنظيمات القوى الفاعلة غير الحكومية في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في مناطق النزاع في نطاق دول الربيع العربي، وإن كانت حتى الآن لم تكتمل في صورتها النهائية في ظل استمرار تهديدات القاعدة داخل عدد من المحافظات الجنوبية حتى هذه اللحظة.

حين تحركت قوات التحالف تتصدرها قوات إماراتية ويمنية مشتركة وغطاء جوي مكثف وتعاون لوجستي غربي تقوده الولايات المتحدة اتجاه المكلا في ابريل 2016 لمحاربة القاعدة انطلقت العملية بافتتاحية عسكرية قوية حيث قادت الطائرات هجوماً مكثفاً على معاقل القاعدة وسرعان ما تم استرجاع المكلا والأماكن الحيوية كالمطار والميناء وكأن القاعدة لم تحتل المدينة طوال فترة عام كامل.  

وهي بداية مشابهة إلى حد كبير للفترة الزمنية التي استغرقها تنظيم القاعدة ذاته لاقتحام المكلا في مايو 2015. وإن كان اقتحام التنظيم قد انطلق براً بينما استرجاع المدينة من قبل قوى التحالف انطلق براً وجواً وبحراً. لينسحب مقاتلوها بعد معارك محدودة مع قوى التحالف مما جنب المدينة خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات.

البعض يرى أن القاعدة خرجت بكامل إرادتها من المكلا بعد احتدام المواجهة مع قوى التحالف كما فعل التنظيم ذلك من سابق في زنجبار التابعة لمحافظة أبين 2012. وما يثير التساؤلات هو تحديد الطرف المسؤول عن انسحاب القاعدة السريع! هل نستطيع أن نقول أنه من تخطيط التحالف العربي وتحديدا التحرك الإماراتي اليمني المشترك في تأمين دخول قواتهم ونجاحها في التصدي للقاعدة عبر تعزيز العلاقات المحلية مع الكيانات القبلية داخل المدينة الممثلين في المشايخ  وأئمة المساجد الذين يرتبط بعضهم بعلاقات مع القاعدة عبر المجلس الأهلي آنذاك؟ أم أنه تكتيك من قبل القاعدة نفسها تلجأ إليه عند محاصرتها في مناطق المواجهة؟

 في تصريحات لقيادات راحلة داخل اليمن وأبرزهم ناصر الوحيشي أشار الأخير من خلال رسائل منشورة له[1] قبل مقتله (قتل بواسطة طائرة بدون طيار في عام 2015) أن تبني النهج السلمي في تأمين تواجدهم داخل أقاليم اليمن يوفر لهم الدعم الشعبي المطلوب ويساهم في استمرار قوة التنظيم وإبراز أفضليته على الميليشيات المختلفة خصوصاً خلال الصراعات.

في الحقيقة أن الوحيشي كان قد قدم النصح لعناصر التنظيم بالارتباط مع المحليين ومع احتياجاتهم وعدم إعلان دولة إلا عند التأكد من القدرة على تلبية مطالب المواطنين وحمايتهم بشكل كاف!

وهذا ما حصل فعلياً في المكلا بعد اجتياح القاعدة لها في 2015 حيث ما طبق كان قانون الشريعة بشكل جزئي وإعلان ما عرف بالحسبة لمتابعة القضايا اليومية بين المواطنين مع تأكيد تقديم الخدمات لهم لتأكيد فعالية التنظيم وإدارته.

التنظيم قد يكون قد خسر تواجده الفعلي داخل المكلا مما شكل هزيمة حقيقية له ولكنه من منظوره الخاص حاول أن يحافظ على تواجده الروحي الذي يستمده من المواطنين حتى بعد خروجه للتأكيد بأنه أفضل من غيره من أشكال الحكومات المتعاقبة على المدينة قبل 2015 وحتى بعد تحريرها من براثنه في 2016.

ولكن هل هذا يعني وجود توافق في التوجهات الفكرية والممارسات العملية بين العناصر القيادية للتنظيم داخل اليمن وفي حضرموت تحديداً؟ وهل التوجه الذي كان يقوده ناصر الوحيشي كان الأساس لتوجه قائد التنظيم حينذاك في المكلا خالد باطرفي؟

شخصية الوحيشي كأمير لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والقائد الثاني بعد الظواهري للتنظيم الدولي كانت واضحة للعيان على عكس شخصية باطرفي التي شابها الكثير من الغموض حتى في طريقة توجيهه لبعض الأمور داخل المدينة بعد احتلالها وخصوصاً بعد رحيل الوحيشي واستفراد باطرفي بالقيادة خلال مرحلة احتلال المكلا حيث جرت العديد من التخبطات التي شوهت التنظيم في نظر داعميه داخل حضرموت خصوصاً فيما يخص الجوانب المالية والاستيلاء على حصيلة البنك المركزي في المكلا إضافة إلى الاستيلاء على مخزون نفطي كبير في ميناء المكلا ليشكل التمويل المالي للتنظيم خلال تلك الفترة.

ومع ذلك فإن سيناريو الخروج كان مطابقاً إلى حد كبير مع توجهات قيادة القاعدة الرئيسية.

وإن كانت مزاعم قيادة القاعدة حول تفعيل النهج السلمي مليئة بالتناقضات والمغالطات حيث تجربة خروجها من أبين 2012 تؤكد أن القاعدة تبنت في مرحلة ما بعد الخروج من جعار، زنجبار، وشقرة استراتيجية هجومية تمثلت في الاغتيالات والتفجيرات المتواصلة لرموز السلطة على الرغم من أن المسلحين وزعوا منشورات قبل خروجهم للاعتذار للمواطنين عن جر المدينة للصراع وعن الأضرار التي لحقت بالمواطنين.

الإمارات في تجربتها لمواجهة القاعدة في حضرموت لم ترتكن بشكل كلي على التوجه الأمريكي في الاعتماد على تكتيكات أبرزها التخلص من القيادات الرئيسية للقاعدة عبر الطائرات بدون طيار لكون هذا النهج هو المتبنى من قبل الحكومة الأمريكية منذ 2000 بعد ضرب المدمرة الأمريكية كول حتى الآن. ولم ينهي التكتيك الأمريكي القاعدة في اليمن.

لذا ارتأت الإمارات الارتكاز عليه كأحد الأساليب وليس الأسلوب الأساسي والوحيد للتخلص من قاعدة اليمن. وبرز توجهها الحقيقي في كبح جماح القاعدة ومحاربتها بنفس سلاحها من خلال كسب دعم المجتمع المحلي بكافة أطرافه وليس فقط زعاماته القبلية والدينية. وهذا ما يخيف القاعدة أكثر من ضربات الطائرات بدون طيار.

التعاون الإماراتي الأمريكي لإخراج القاعدة من المكلا كان ثمرة جهود البنتاغون والسي أي إيه اللذان مهدا له عبر هجوم مكثف للطائرات بدون طيار انطلقت قبل الاقتحام الناجح للقوات الإماراتية واليمنية للمكلا وذلك في شهر مارس 2016 الذي شهد أكثر عدد من ضربات الطائرات بدون طيار خلال تلك الفترة، وأبرزها الضربة الجوية الواسعة في مدنية هجر في حضرموت[2] التي استهدفت معسكر تدريبي للقاعدة حيث قادت الضربة إلى مقتل أكثر من 50 مقاتلاً من القاعدة وهي سابقة أولى للضربات الأمريكية على معسكرات القاعدة في اليمن وتحديداً في حضرموت.

قد يكون الهدف المشترك بين القيادتين الإماراتية والأمريكية هو التخلص من القاعدة ولكن الدوافع اختلفت بين الجانبين حيث أن الجانب الأمريكي غرضه الأساسي وقف تهديدات القاعدة خارج حدود اليمن وتحديداً تهديدها للمصالح الأمريكية داخل الولايات المتحدة وخارجها بينما مبررات الإمارات مرتبطة أكثر بتعزيز نجاح العمل العسكري للتحالف داخل اليمن وتأمين جبهة حضرموت الشرقية وتمهيد الطريق لتأسيس تجربة تنموية جديدة داخل الاقليم.

التجربة الإماراتية للقضاء على القاعدة في حضرموت لا تزال فعالة ولكنها لم تنتهي بعد لتقييم نتائجها حيث أن عناصر التنظيم لا تزال منتشرة في مناطق كثيرة داخل المحافظة وخصوصاً خارج المدن أو متحصنة في الأودية والجبال والبعض منها يتخذ من المحافظات المجاورة مخبأ مؤقت آمن لإعادة تجميع قواته والعودة من جديد.

المدخل الذي يتبناه حالياً تنظيم القاعدة لإضعاف نجاح التجربة الإماراتية في القضاء على التنظيم داخل حضرموت هو في استغلال التحالف الإماراتي الأمريكي والترويج له بشكل سلبي خصوصاً في نطاق شرائح السلفيين ليس فقط داخل حضرموت وإنما أيضاً في أبين، شبوة، والبيضاء خصوصاً بعد تحول الاستراتيجية الأمريكية في الهجوم على القاعدة من هجوم تكتيكي لقنص أفراد محددين عبر الطائرات بدون طيار إلى هجوم واسع وغير محدد على معسكرات خاصة بالقاعدة وعلى مناطق تواجدهم بين التجمعات السكانية مما يزيد من أعداد الضحايا المدنيين.

تجربة الإمارات مع القاعدة داخل حضرموت قد تحقق أهداف بعيدة المدى وتقضي على جذور القاعدة إذا ما اكتسبت خصوصية محلية بالتركيز على أدوار المواطنين أنفسهم في التصدي لتنظيم القاعدة كفكر متطرف وسلوكيات خاطئة ووضع حد لعمليات التجنيد المستمرة. ووفق تعليق لعوض كشميم وهو صحفي حضرمي مخضرم فإنه "إذا لم يكن المواطنون والجهاز الأمني والعسكري على وفاق لن ينجح الملف الأمني".

 وهذا ينطبق على وادي حضرموت تحديداً المترامي الأطراف حيث لا تزال خلايا القاعدة تشكل تهديداً كبيراً على أمن المحافظة ككل. ويدير تنظيم القاعدة نشاطاته الإرهابية حالياً عبر عمليات محددة لإرهاب المواطنين وإضعاف موقف ممثلي الحكومة وقوة التحالف مثل عمليات الاغتيال لمسؤولين أو إطلاق تفجيرات إرهابية لمعسكرات الجنود التابعين للنخبة الحضرمية.

تعقيدات الوضع في وادي حضرموت جغرافياً واجتماعياً تستدعي الحذر والانتباه من حيث عدم تعاون المواطنين مع الجهاز الأمني والعسكري من ناحية وغياب السيطرة الأمنية المتكاملة على أنحاء الوادي خصوصاً وأن أغلبه طرق وشعاب وأودية ملتوية ومتشعبة وأغلب القوة العسكرية متمركزة كما يؤكد المراقبون للأوضاع في المدن وعلى الخطوط الرئيسية. كما أن التركيز على الساحل منذ بداية إطلاق العمليات العسكرية الموحدة للقوة الشرعية وقوة التحالف لتحرير المكلا التي احتضنت آنذاك قيادة التنظيم قادت إلى تقهقر تلك الجماعات للبحث عن مخابئ في الوادي وهو ما قاد إلى انتشار خلايا عديدة لها هناك.

مواجهة إرهاب القاعدة في حضرموت يجب أن يوازن ما بين الساحل والوادي فلا يركز على منطقة دون أخرى أو على مديرية أكثر من الأخرى.  ومن المهم التركيز على أن أكثر العناصر تهديداً في التنظيم نفسه هم من داخل النسيج الاجتماعي الحضرمي والمرتبطين بالبيئة الحضرمية وليس الأجانب القادمين من خارجها سواء كانوا يمنيين أو غير يمنيين. وأفضل وسيلة للتصدي لهؤلاء هو في وضع حد لتوافدهم للتنظيم وتطهير البيئة ذاتها من فكر القاعدة بتبني فكر مضاد يحتضن القيم السلمية للجهاد بعيداً عن العنف والتسبب بالأذى للآخرين.

إن تجربة دولة الإمارات في مواجهة تنظيم القاعدة داخل حضرموت، شبوة، وأبين لم تنتهي بعد كما أنها لن تقف عند حدود تلك المحافظات. وهذا يعني أن المواجهات مستمرة ولكن خطط المواجهة قد تختلف من محافظة إلى أخرى. لذا فإن التجربة لا تزال يافعة وإن كانت الانطلاقة القوية تمنحها القدرة على الاستمرارية في المرحلة المقبلة من عمر الصراع داخل اليمن. كما أنها في حاجة إلى مراجعة وتقييم دوري حتى يمكن القضاء على القاعدة في شبه الجزيرة العربية بشكل نهائي وليس فقط على المدى القصير.

دكتورة هيفاء المعشي

دكتورة هيفاء المعشي

المزيد

مجالات الخبرة

  • Policy analysis
  • Media writing
  • Qualitative research
  • lecturing

التعليم

  • PHD in Mass Communication, University of Cairo, Faculty of Mass Communication, Egypt. 2004
  • Master’s in journalism, University of Colorado Faculty of Journalism, Boulder, USA.1990
  • Bachelor of Political Science, University of Kuwait Faculty of Economic and Political Science, Kuwait. 1989

السيرة الشخصية

Haifa Ahmad Al Maashi works as the director of geo-strategic studies division at Dubai Consultancy Research and media Center. She obtains a PhD in journalism from the University of Cairo- Faculty of media (2004) First class honors, has a master`s degree in journalism from the University of Colorado - Boulder in the United States (1990) and a BA in Political Science from the University of Kuwait 1989. She is specializing in the field of political media and has worked as an assistant professor at the University of Aden 1991-2010,( Journalism and Media department). Has several published lectures in the field of media and political development, the role of media in social change, communication theories and the new media (2004). Also has articles published in several newspapers and websites. Her main concern focuses on the detection and analysis of political crises around the world and examine its implications on the reality of the region politically and economically.