الجمعة, 12 سبتمبر, 2025

تحوّل إسرائيل من شريك إلى خطر

.


وقعت إسرائيل الاتفاق الابراهيمي للسلام مع دولة الإمارات في 2020 والذي كان يهدف لإعادة النظر في كيفية صنع السلام في الشرق الأوسط وبشكل أساسي إقامة الدولة الفلسطينية مع الاعتراف بإسرائيل كجزء من المنطقة وهو ما قاد لعدة خطوات بما فيها اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مع الامارات ومشروع IMEC هذا المشهد تبدّل بشكل استراتيجي ليس فقط مع استمرار الحرب في غزة دون أي مسوّغ لمستوى المعاناة الإنسانية الموجودة والتي انتقدها كل دول العالم، لكن أيضاً بسبب مشروع الاستيطان في الضفة الغربية. مع ذلك فإنه حتى تاريخ 9 سبتمبر كان اعتداء إسرائيل على دول ذات سيادة في الشرق الأوسط يقتصر على لبنان بسبب تواجد حزب الله وسوريا لأسباب لم تعد توضحها إسرائيل بعد سقوط الأسد وخروج إيران وميليشياتها، واليمن حيث يتعرّض الحوثيين للسفن المرتبطة بإسرائيل. 

في تاريخ 9 سبتمبر اعتدت إسرائيل على دولة خليجية ذات سيادة وغير معتدية، تقوم بدور وساطة تشارك فيه وفود إسرائيلية وأمريكية وبطلب من الرئيس ترامب وقبله الرئيس السابق بايدن وهنا تبدّل واقع العلاقات الخليجية-الإسرائيلية وتحوّلت من بحث كيفية وقف حرب غزة والتوسط في وقف الاعتداءات في سوريا ولبنان ومن ثم توسيع الاتفاق الابراهيمي ليشمل السعودية وسوريا على أقل تقدير، ليتجه السؤال نحو كيفية حماية دول الخليج لنفسها من اعتداء إسرائيل، ومن عقلية الفضاء المفتوح الذي تتبناه إسرائيل في استهدافها لأي دولة في أي وقت ولأي سبب حتى وإن كان يتعارض مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

المشكلة الخطيرة الثانية التي تسبب بها قرار اغتيال قادة حماس ليس طبيعتهم أو دورهم، بل غياب الدور الأمريكي في ردع مثل هذه العملية ضد حليف استراتيجي في قلب الخليج العربي، وهنا من المهم العودة لاعتداء وكلاء إيران خلال حقبة ترامب الأولى على أبقيق وخريص والتي أيضاً لم يتم دعم السعودية أمريكياً للردّ على مثل هذا الاعتداء، بل تم سحب بطاريات الباتريوت بعد العملية ليفتح الباب أمام استراتيجية خليجية مختلفة جذرياً في التعامل مع الخلافات الخليجية-الإيرانية بناءً على الحوار وهو مسار تراه بعض الأوساط الأمريكية متعارض مع سياسات الضغط على إيران خصوصاً في حال ربطها مع العداء لروسيا والتنافس مع الصين.

النتيجة هي أنّ ترك مثل هذه الأحداث دون النظر لها بعناية شديدة من الحليف الأمريكي سيعني تحرّك خليجي جماعي لمعالجة الخطر الذي أنتجه الفعل الإسرائيلي، بصرف النظر إذا كان الرئيس ترامب صُدم أو انزعج من العملية الإسرائيلية أو لم يوافق عليها أو أنه أنذر القطريين حالما أُعلم بها من الإسرائيليين، فالنتيجة على الأرض هي أنّ قطر تعرضت لاعتداء من حليف للولايات المتحدة وعضو في القيادة المركزية ولم تتعرض لاعتداء من إيران التي لم يعد ينظر لها حالياً كخطر في المنطقة بل كدولة أخرى مستهدفة من إسرائيل. 

الرئيس ترامب بعد الاعتداء على قطر بدا مُدركاً لحجم أزمة الثقة التي تشهدها علاقته مع دول الخليج وليس فقط مع قطر. هو أنكر أن تكون الولايات المتحدة علمت أو شاركت بعملية إسرائيل كما وجّه وزير خارجيته ماركو روبيو لصياغة اتفاقية تعاون دفاعي مع قطر ووعد أمير قطر بأنّ مثل هذه العملية لن تتكرر.
ترامب يريد القول أنّ العملية الإسرائيلية لن تكون أحد عمليات الاستهداف المستمرة ضد قطر، في محاولة لتهدئة المخاوف بأنّ إسرائيل قررت استهداف أي عنصر وأي دولة لا تؤيد سياساتها أو تعتبرها عدائية دون إنذار أو موافقة من مجلس الأمن وبصرف النظر عن موافقة الولايات المتحدة أو مشاركتها، لكن هل سيكفي دول الخليج أو مصر أو تركيا أو الأردن المنخرطين في وساطات تتعلق بفلسطين أو برنامج إيران النووي أو اليمن بمن فيهم الحوثيين، هل يكفيهم وعد ضمن مكالمة هاتفية بأنه لن يتم الاعتداء عليهم بشكل مفاجئ من قبل إسرائيل بحسب المزاج الداخلي الإسرائيلي وأهواء اليمين المتطرف؟ 
الإشكالية هي أنّه حتى الرئيس ترامب لا يبدو مؤثراً أو يسعى للتأثير بما يكفي على هذه الأهواء والقرارات الفجائية وهو ما ينذر بمزيد من التجاوزات تجاه حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وتراجع كبير للثقة بدور واشنطن القيادي والريادي في المساهمة بأمن واستقرار دول منطقة الخليج بوجه خاص وهذا يتناقض مع وعود الرئيس ترامب خلال جولته الخليجية.
إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية ترى في صعود الصين خطر على دورها كقوة عظمى منفردة في العالم، فإنّ التمسّك بتحالفاتها وتنفيذ وعودها هو أهم عنصر في قوتها على الساحة الدولية وهو المـؤثر الاستراتيجي في الحفاظ على التفوق الاقتصادي الأمريكي وهذا يتناقض مع المشهد الذي تسببت به إسرائيل بكسرها قاعدة ذهبية في منطق التحالفات وهي عدم الاعتداء والذي سينعكس على العلاقات الأمريكية وليس فقط الإسرائيلية بسبب التأثير الخاص لواشنطن على تل أبيب بشكل عام وعلى نتنياهو من الرئيس ترامب بشكل خاص.
اليوم تشهد منطقة الخليج اتصالات وتحركات دبلوماسية لزعماء الدول ووزراء الدفاع والداخلية والخارجية والتي تأتي ليس فقط لدعم قطر كدولة خليجية ذات سيادة لكن أيضاً للتفكير في استراتيجية طويلة الأمد لمنع تكرار مثل هذا الاعتداء أو تطبيعه كحدث عابر، بهذا المنطق إما أن تبادر الولايات المتحدة في رأب الصدع الحاصل في الثقة بالالتزام الأمريكي أو تنتظر تداعيات عدم احتواء الأعمال الإسرائيلية التي لا تفيد إسرائيل أو الولايات المتحدة أو الحلفاء في الإقليم.
الأمر الوحيد الذي سيؤدي لتجاوز هذه الأزمة هو الاعتراف بكون الممارسات الإسرائيلية أزمة، وأنّ الحلّ الوحيد هو بالعودة للدبلوماسية وليس تقويضها، وببناء الثقة وليس إلغاء السّلام من المهم الإيمان بأنّ السّلم هو السيناريو الاستراتيجي الذي تسعى له الدول لتحقيق الازدهار وأنّ المسار هو التفاوض والاتفاق وليس الحرب وكسر العزيمة ومراكمة الضحايا والعداوات إلى مالانهاية.
 

رشا الجندي

رشا الجندي

مشرف بحثي

المزيد

مجالات الخبرة

  • خبيرة في الشؤون الأمنية والملفات السياسية الاستراتيجية لدول الخليج.
  • خبيرة في قضايا التعاون والأمن الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وباحث أقدم في شؤون الخليج.

التعليم

  • شهادة ماستر في العلاقات الدولية والنظام العالمي من جامعة ليسستر في المملكة المتحدة 2016.
  • تخرّجت من كلية الحقوق عام 2006.

السيرة الشخصية

أ.رشا الجندي حائزة على شهادة ماستر في العلاقات الدولية والنظام العالمي من جامعة ليسستر في المملكة المتحدة 2016. تخرّجت من كلية الحقوق عام 2006، وتدرّبت كمحامية لتلتحق بنقابة المحامين في دمشق عام 2009. رشا خبيرة في أمن وسياسات منطقة الخليج، وتعمل في هذا الاختصاص منذ عام 2011. رشا باحث أقدم في شؤون الخليج في مركز دبي لأبحاث السياسات العامة، كما أنها تشرف على البرنامج التدريبي للمركز.