يتساءل المعلقون عن سبب حدوث هذا الإقصاء في هذا التوقيت بالذات. ويفترض الكثيرون أن تأثير الرئيس ترامب خلال قمة الرياض يأتي في الطليعة كسبب أساسي وبالتالي فهو آخر مسمار في النعش. وقام الرئيس ترامب بشكل خاص بنقل القضية إلى وسائل التواصل الاجتماعي حيث غرد قائلاً:
"خلال رحلتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط ذكرتُ أنه لم تعد إمكانية لتمويل الفكر المتطرف. فأشار الزعماء إلى قطر قائلين- انظروا!"
بعد هذه التغريدة اتخذ العديد من المراقبين الدوليين الموقف العام المتمثل في أن الرئيس ترامب كان له تأثير على المنطقة أكثر مما كان متوقعاً في البداية حيث أشار العديد من المحللين الغربيين إلى الرقابة الأخيرة على أنها نتاج "لتأثير ترامب" الذي يحدث في الشرق الأوسط. ولا يزال الرأي القائل بأن الرئيس ترامب كان السبب الرئيسي للمقاطعة مثيراً للجدل. من حيث الجوهر ربما يكون الرئيس الأمريكي قد عزز القضايا الدبلوماسية مع قطر إلا أن من المؤكد أن إدارته ليست هي السبب الرئيسي.
من منظور يتعلق بالطيران لا يزال بعض المراقبين مهتمين بطيران الإمارات والاتحاد والخطوط الجوية القطرية باعتبارها شركات الطيران الرئيسية الثلاثة في المنطقة حيث تشارك الآن في حرب بالوكالة وبدلاً من خلق جبهة موحدة كسيادة اقليمية إلا أنها الآن جزء من واحدة من أشد المعوقات الدبلوماسية التي تسهل الآن بنشاط من صعوبات متزايدة لبعضها البعض. ومع وقف جميع رحلات الطيران المتوجهة من الإمارات إلى الدوحة يقوم المراقبون بدراسة تدابير المقاطعة التي يجري الشروع فيها ويخلصون إلى أنها أشد بكثير مما شهده عام 2014.
لعدة سنوات كان العديد من المعلقين الدوليين يعتبرون قطر "ذئباً وحيداً". وتفسير هذا هو أن دول الخليج المجاورة لا تزال تسعى إلى المضي قدماً وتقوم بمساعدة الغرب في الاستراتيجية الجارية لمكافحة الإرهاب بينما لا يزال التمرد الذي تشهده قطر بارزا بشكل مثير للقلق. وقد أصبحت القضايا الرئيسية التي زادت من انتماءات قطر للإسلام السياسي واضحة بشكل متزايد في عام 2011 أثناء بداية الربيع العربي. وشهدت الانتخابات المصرية تمتع الأخوان المسلمين بدعم قطر الذي أثار ضجة دولية وازدراء واضحاً من جيرانها الخليجيين.
أحدث مثال على علاقة قطر بمنظمات إرهابية كان اختطاف 26 من أعضاء فريق صيد بالصقور في جنوب العراق مما أدى إلى أزمة رهائن. وقامت قطر بدفع مليار دولار لقوات مرتبطة بالإيرانيين وتنظيم القاعدة ويمكن القول إن هذه الفدية كانت المحفز الرئيسي الذي أدى إلى المقاطعة الأخيرة من الجيران الخليجيين. وينظر المراقبون إلى هذه الحادثة كدليل على أن قطر تقوم بتمويل الإسلام السياسي وتعارض الاستراتيجية الاقليمية لمكافحة الأفكار المتطرفة. وكما أشار أحد مراقبي الشأن الخليجي "إن دفع الفدية هو القشة التي قصمت ظهر البعير".
بما أن العلاقات الدبلوماسية والنقل قد تم قطعها مع قطر فإن القضايا الأساسية التي أصبحت بارزة بشكل خاص في وسائل الإعلام ذات شقين: 1. فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية الأمريكية مع قطر لايزال الرئيس ترامب مؤيداً بشكل علني للمقاطعة الأخيرة إلا أن العديد من المراقبين الخارجيين لا يزال يشعرون بالقلق بشأن قاعدة العُديد وهي أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط. ومع تمركز ما يقرب من 10,000 من الأفراد العسكريين الأمريكيين في قطر سيتعين على الإدارة الأمريكية الآن اتخاذ قرارات استراتيجية ودبلوماسية مهمة مما سيؤدي حتماً إلى إضافة دينامية جديدة للمنطقة. 2. كواحدة من أكبر موردي الغاز الطبيعي في العالم، يشير بعض المعلقين إلى التأثير داخل المنطقة والمجتمع الدولي الأوسع إذا خضعت هذه الاحتياطيات لمزيد من الرقابة أو تم فصلها.
فيما يتعلق بالتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن فقد تم الآن الاستغناء تماماً عن الدعم القطري مما سيؤدي حتماً إلى عنصر تغيير آخر في الصراع. ومع اعتبار اليمن أولوية مميزة في المنطقة من المرجح أن يدرس المعلقون أنه إذا تم دفع قطر نحو إيران فإن هزيمة الحركة الحوثية سيصبح أمراً أكثر صعوبة.
لقد اتخذ المراقبون الدوليون الموقف المتمثل في أن مقاطعة قطر مبررة تماماً إلا أن الكثيرين لا يزالون يشعرون بالقلق من أن مزيداً من الانقسام سيحدث الآن مما قد يدفع قطر إلى الاقتراب أكثر من تركيا وإيران وروسيا. أساساً يشعر بعض المعلقين بأن العلاقات ربما تكون غير قابلة للإصلاح الآن. وربما تصبح هذه العزلة أكثر رسوخاً داخل مجلس التعاون الخليجي مما سيؤدي حتماً إلى خلق عدم استقرار متزايد في المنطقة. وبانضمام دول أخرى مثل المالديف وليبيا واليمن إلى مقاطعة قطر فقد أصبح واضحاً بشكل متزايد أن هذه الرقابة الأخيرة هي الملاذ الأخير بعد عدة محاولات محبطة للتأثير على قطر وتوجيهها نحو نظام عالمي متحضر. ويعتبر العديد من المراقبين أن قطر لا تتفق مع خط مجلس التعاون الخليجي والرؤية لمستقبل مزدهر.
ويشير المعلقون إلى أن المقاطعة الأخير ضد قطر معنية فقط بتوجه استراتيجي لمجلس التعاون الخليجي. وتهدف المقاطعة إلى إعادة صياغة السياسة الداخلية والخارجية لقطر من أجل توجيه قطر نحو نظام مجلس التعاون الخليجي وإبعادها عن تمويل ودعم الإرهاب. ويتعلق الخلاف بين الجيران الخليجيين وقطر في الأساس بالإسلام السياسي واستمرار اختلاف الآراء المتعلقة بتوقعات ودعم هذه الجماعات. ولا تلتزم قطر حالياً بالأساس المشترك لمجلس التعاون الخليجي الذي يهدف إلى محاربة الإرهاب. ومن أجل المصلحة الأكبر للمنطقة بل وللعالم أجمع فإن الرقابة القائمة هي الملاذ الأخير بعد سنوات من المحاولات للتأثير على موقف قطر كعضو في مجلس التعاون الخليجي.
ختاماً يصف المعلقون المقاطعة الأخيرة ضد قطر بأنها أسوأ أزمة دبلوماسية في المنطقة منذ حرب الخليج عام 1991. ولا بد أن المجال الخليجي سيتعرض الآن لدينامية متغيرة بشكل حاد. وبعد الهجوم الأخير في طهران من الواضح أن ما بعد المقاطعة القطرية يمكن أن يصبح أساساً لمخاوف دولية أوسع. ويتخذ العالم الغربي الموقف العام المتمثل في أن دولة الإمارات هي منارة الإزدهار عندما يتعلق الأمر بالحرب العالمية على الإرهاب ومكافحة الإسلام السياسي. ولا يزال واضحاً أن مما لا شك فيه أن تأثير مقاطعة قطر وقطع العلاقات الدبلوماسية والنقل سيسهل من قيام نظام اقليمي متغير. ولا يزال واضحاً أن الرقابة المفروضة على قطر معنية بالرؤية طويلة الأجل لمجلس التعاون الخليجي في مقابل أي مستوى للعزل السياسي المقصود. وكما نُقل عن السفير عمر غُباش قوله :" إن هذه ليست بلطجة. إن هذا يتطلب معايير أعلى في جميع أنحاء المنطقة".